فعل مختلفة غالبتها الساحقة مدعمة ومؤيدة وبعضها – كالعادة- لا تستحضر حقوق الإنسان إلا متى تعلق الأمر بالتطرف وبالجماعات الإرهابية .
نقول بداية بأنه لا ينبغي الاستهانة البتة باعتبارات حقوق الإنسان كلما كانت جدية أو لها نصيب من المعقولية لأننا نريد تأسيس ديمقراطية ،ولا ديمقراطية دون احترام بل تقديس كلي لحقوق الإنسان ولحرياته الفردية ومن بينها بل ومن أهمها حرية الضمير والمعتقد.
والسؤال هنا هل يندرج فعلا النقاب في خانة حرية الضمير والمعتقد أولا ثم اللباس المؤسس عليها ثانيا أم لا ؟ أي هل هنالك مبررات – ولو ضعيفة- تبرر القول بأننا هنا أمام حرية فردية واختيار شخص ينبغي على المجموعة احترامه حتى ولو اختلفت معه بصفة هامة أم لا ؟
يعتمد أنصار النقاب على اعتبار أن ارتداءه يعد واجبا دينيا عند بعض المدارس الفقهية ، وخاصة الحنبلية ، وبالتالي ما كان أمرا واجبا أو حتى مندوبا فسينخرط تبعا لذلك في خانة حرية المعتقد وأن التضييق عليه يصبح تضييقا على حرية فردية أصيلة .
نلاحظ بداية الخلط الفظيع في المفاهيم فالمذهب الحنبلي القائل ، في معظمه، بان جسد المرأة كله عورة وورثه المعاصرون من الوهابية ،كل هؤلاء لا يؤمنون بالديمقراطية بل يعتبروها كفرا وشركا لأنها تعتبر أن الحكم للشعب أي للبشر في حين أن الحكم كله يجب أن يكون لله .
فالنقاب لا يتأسس إلا على هذه الخلفية العقائدية فقط لا غير وبالتالي يصبح تبرير ارتدائه بالحرية الفردية نفاقا فكريا .
ثم إن الدولة السعودية الوريثة الأساسية للحنبلية وللوهابية تمنع ارتداء النقاب في إحدى أهم الشعائر الدينية وهي الحج،فان كان النقاب واجبا دينيا لبطل حج كل نساء الدنيا لأنه لا يمكن التقرب إلى الله بالمعاصي وبالتالي تسقط الحجة الدينية مطلقا ويصبح التشبث الظاهري بها نفاقا آخر وأمرا مخفيا في أدمغة أصحابه .
صحيح أن تغطية الوجه عادة اجتماعية في جل دول الخليج وكان دارجا في مجتمعات عديدة ولكن النقاب السلفي اليوم إنما هو علامة انتماء إيديولوجي بالأساس ورمز واضح لتكفير سائر المجتمع حتى وإن كانت الحجة الدينية المتهالكة إحدى مداخله .
والنقاب كما قلنا يتأسس على فكرة جوهرية وهي أن المرأة كلها عورة جسدها وصوتها ووجودها أيضا في الفضاء العام لذا توجب عليها لبس لباس فضفاض اسود لا يظهر شكلها – أي «مفاتنها» – وهي إن وجدت في الفضاء العام فلضرورة قصوى وعليها أن تمر فيه دون أن ينتبه إليها احد حتى لا تدنس أنوثتها التقوى المزعومة لعالم الرجل ..
نحن كما ترون في جوهر الحقوق والحريات والديمقراطية !!! فالنقاب هو النفي الأكثر جذرية لكل هذه القيم لأنه يقوم على اعدامية (néantisation) الوجود الأنثوي باعتباره الموطن الأساسي للغواية الابليسية .
لا نريد أن نقول بأن كل المنقبات إرهابيات بالفعل أو حتى بالقوة ،نريد فقط أن نقول بأن إيديولوجيا النقاب هي في حدها الأدنى تطرف ديني مؤسس على احتقارية مطلقة للمرأة وفي حدها الأقصى إيديولوجيا التنظيمات الإرهابية السلفية الجهادية المعولمة.
ومن كل هذه الزوايا يطرح علينا النقاب سؤالا ديمقراطيا أساسيا : هل يمكن لنا أن نقبل بهذه الاستهانة وبهذه الاعدامية لوجود نصف المجتمع حتى ولو اعتقدت بعض النساء أنهن انما يقمن بذلك استجابة لواجب ديني ؟
إن منع النقاب في الفضاء العام لدواع أمنية مسالة لا جدال فيها في نظرنا ولكن لو اقتصرنا فقط على الدواعي الأمنية سوف نترك بعض فتياتنا في قبضة التطرف والتشدد والحال انه علينا الحديث معهن وإقناع من يقتنع منهن بأنهن في حالة استيلاب كلية لا علاقة لها بالدين والأخلاق وانه على المجتمع وعلى الدولة التي تمثله أن تمنع هذا الاستيلاب لأنه في نهاية الأمر نوع من الاتجار بالبشر .
يخطئ من يعتقد بان التطرف الديني وجهة نظر .. انه موقف عدائي من المجتمع .. انه نقيض الحريات والديمقراطية حتى وان تظاهر بالتعامل مع بعض أشكالها خدمة لغاياته الخاصة ..
التطرف الديني (والنقاب احد أشكاله الرئيسية ) يستهدف الأمن الاجتماعي العام ويريد أن يؤسس خلافته «الفاضلة» على أنقاضه .
إن منع النقاب في الفضاء العام هو كذلك واجب المجتمع نحو بعض الفتيات المغرر بهن حتى ينقذهن من وطأة غسيل الدماغ التي تتعرضن اليه
منع النقاب في الإدارات والمؤسسات العمومية ايجابي للغاية ولكن ينبغي أن تتلوه خطوة تشريعية أخرى أكثر عمقا وجرأة تقضي بمنعه في الفضاء العام وهذا يستوجب بدوره عملا توعويا فكريا ودينيا لتحصين فتياتنا وفتياننا من براثن التطرف الديني المتربص بهم .