رغم التسابق على الرئاسية في التشريعية يكمن الرهان ...


الانتخابات الرئاسية القادمة هامة لما لمؤسس الرئاسة من حظوة اعتبارية لدى العموم ولما لها من دور في ضمان سلامة الوطن أمنيا و عسكريا

وفي إدارة السياسة الخارجية ، و ذلك رغم الدور المنحسر الذي منحه لها الدستور 2014 ، لذلك من المشروع أن يطمح السياسيون إلى اعتلاء كرسي هرم السلطة ليكونوا في مركز السلطة الثلاثية مع مجلس رئاستي مجلس نواب الشعب والحكومة.

و لكن الرهان الأهم في الفترة الحالية يتمثل في حيازة الأغلبية في مجلس نواب الشعب عبر الانتخابات التشريعية، الّتي لا توليها بعض الأحزاب السياسية الأهمية الّتي تستحق ، بدليل عدم حزم أمرها إلى اليوم بخصوص تشكيل قائمات مرشحيها الّتي ستدخل بها غمار الاستحقاقات القادمة ، و ما تزال تواصل مباحثاتها و مشاوراتها لتشكيل الائتلافات أو الجبهات الانتخابية .

يحصل هذا رغم أن أغلب القوى السياسية تتفق تقريبا على أن النظام السياسي في تونس لا يمكن أن يكون عاملا مساعدا على التقدم أو على الأقل تحقيق الأدنى من الإستقرار الإيجابي ، و على وضع مؤسسات دولة قوية كفيلة بحماية آليات الديمقراطية الفتية الّتي كان ينتظرها الشعب .
كما يسلّم الجميع تقريبا بأن النظام الإنتخابي المعتمد في حاجة إلى إعادة النظر في الجوانب الّتي كشفت التجربة فشلها وتعطيلها للمسار الّذي تطمح أوسع الفئات إلى انتهاجه لضمان تمثيلية ناجعة ذات ثوابت وغير متقلّبة .

فتجربة أول حكومة في الجمهورية الثانية جُرّبت و لكن لم تصح ، لذلك اتجه العديد من رجال السياسة و الأحزاب إلى إدراج تغيير النظام السياسي و الانتخابي ضمن أولويات وعودهم في الشعارات الّتي يعدّونها لخوض الحملة الانتخابية .
و لكن يتناسى هؤلاء أن تحوير الدستور أو أحكام المجلة الإنتخابية و غيرهما ، يحتاج إلى حيازة أغلبية كافية في مجلس نواب الشعب كي تضمن تمرير أي تشريع جديد طبق الأغلبية المطلوبة المحددّة في الدستور والقوانين الجاري بها العمل .

من هنا يمكن الجزم بأن وعود المعلنين لنوايا ترشحهم للرئاسية هي وعود بلا رصيد و كاذبة ، إذا لم يتمّ الترشح ضمن جبهة أو تكتل قادر على ضمان أغلبية برلمانية على أساس برنامج ثابت و ضمن هيكلة دنيا دائمة، و هو ما لا يتوفّر إلى اليوم في أي معلن عن نية ترشحه للرئاسية .

هذه الحقيقة لا يجهلها أغلب السياسيين، ولكن الرغبة الجامحة أو- قل الحلم الكبير - في إعتلاء كرسي الرئاسة ، يحجبان الواقع، و يصل الأمر ، إلى تصدّع تشكيلات و جبهات سياسية ، لمجرّد اعتقاد أحد قادتها أنه هو الجدير بكرسي الرئاسة دون غيره . و يكفي الرجوع إلى ما حصل في نداء تونس و في الجبهة الشعبية و في إئتلافات أخرى تتخبّط اليوم للحيلولة دون تسرّب الشك في مسارها و احيانا قبل أن تولد.

لا نقلّل من شأن بعض المترشحين، ولكن نعيب عليهم عدم واقعيتهم ، وتهرّبهم من مواجهة حقيقة أحلامهم ،و عدم تقدير كفاءتهم حق قدرها ليتطلّعوا لقيادة البلاد، لأنه لا يكفي أن يرتفع مؤشر أسهمهم في عمليات سبر الأراء ، ليجزموا أنهم وصلوا إلى العين، ولا يكفي أن يسلّموا بإطراء المقربين منهم، أو المردود الحيني لخطبهم الشعبوية ، أو التنويه بوساطتهم في تقديم مساعدات ظرفية للمحتاجين، ليعتقدوا أن حظوظهم وافرة في صناديق الإقتراع ، و الدليل على ذلك ما عرفه المخدوعون سابقا ببهرج الحملات الشعبوية، من تقهقر و أُفول. كما يجب ألاّ يغرق بعض المقدمين على الترشح للرئاسية ،في «تخميرة» ما يبلغهم من ولاء شعبي لهم، فيصرّح بما لا يقبله عقل ، كقول أحد المترشحين بأّنه لن يمنح لنفسه صوته ، فينطبق عليه قول

الشاعر العراقي مظفر النواب «... إن الواحد منّا ،يملك في الدّاخل ضدّه» . أو كما وصل الأمر بالقياديين في الجبهة الشعبية ، الّتي انتقل الخلاف فيها من إعلان نية ترشح للرئاسة ليصل الأمر إلى فرقعة جبهة بأكملها ،ففعلوا بأنفسهم ما فشل فيه خصومهم. فالرئاسة ليست هدفا في حدّ ذاته كما ذهب في ذهن البعض، بل من المفترض أن تكون وسيلة لتحقيق ما يصبو إليه الناخبون من ديمقراطية مجدية و إقتصاد مزدهر و مناخ اجتماعي سليم ، خدمة للبلاد ولضمان مواصلة القيادة . والمؤسف أن نرى بعض الشخصيات تتسابق لحيازة الكرسي دون برامج و لا أفكار و لا تصورات كفيلة بإخراج البلاد من الأزمة وتعديل ما يجب تعديله لبناء دولة قوية،و هو ما يهدّد بتسجيل فشل جديد لخماسية أخرى لا نرى نهاية للنفق فيها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115