هذا العمل الذي اشتغل عليه حوالي عشرين ألف شخص سيحدد، نظريا على الأقل، طريق الانتقال الاقتصادي والاجتماعي لتونس ليؤهلها للإقلاع الفعلي مع مطلع العقد القادم..
لا بد أن نشيد بداية بهذا العمل الجبار الذي انطلق منذ حوالي السنة بإعداد الوثيقة التوجيهية وانتهى بإعداد الوثائق الثلاث للمخطط (الإجمالي والجهوي والقطاعي) ولهذا لا ينبغي أن نحقّر هذا العمل أو أن نستهين به ولكن نعتقد أن زمن التحسين مازال قائما بحكم وجوبية مصادقة النواب على المخطط..
لا يمكن للعاقل أن يُنكر الإكراهات العديدة التي تعيق الانتعاشة الفعلية للاقتصاد التونسي سواء ما تعلق منها بمنظوماته الأساسية (التكوين.. الإطار القانوني والمؤسسي... طبيعة المؤسسة الاقتصادية التونسية.. التمويل والاستثمار...) أو بما استجد من معطيات كارتفاع منسوب التهديد الإرهابي أو تفاقم ظاهرة التهميش، والبطالة في جوهرها، وما يفرضه هذا من معالجات اجتماعية قد تحدّ بدورها – على المدى المنظور – من حيوية الآلة الإنتاجية بالإضافة إلى الارتفاع المشط أحيانا للاحتجاج الاجتماعي بأصنافه التي أضحت مألوفة عندنا بداية من الإضرابات وصولا إلى الاعتصامات التي تعيق العمل...
كل هذه الإكراهات تدفعنا إلى تنسيب طموحاتنا على المدى القصير.. ولكن لا معنى لمخطط تنمية خماسي إن لم يُسمح لنا بتحقيق الانتقال الفعلي من مرحلة النمو الهش التي ميّزت السنوات الخمس الأولى للثورة (المعدل السنوي للنمو كان في حدود 1,5%) وكذلك من خلق ظروف تجاوز سقف الــ 5% قبل الثورة والذي لم يسمح بمعالجة اقتصادية جدية للبطالة ولا كذلك لمعضلة التفاوت الجهوي.
فالمطلوب من مخطط التنمية هذا هو أن يوفر شروط الصعود النوعي للاقتصاد التونسي وأن يضعه على خط الانطلاق السوي الذي يسمح لنا في العشرية القادمة بتحقيق نسب نمو تتجاوز بصفة دائمة 6% أو 7% سنويا...
والسؤال اليوم هو كيف نضمن هذا خلال هذه السنوات الخمس التي سيستغرقها مخطط التنمية؟
مخطط التنمية مطالب بتوفير ثلاثة أشياء متضامنة ومتظافرة:
1 - تسريع نسق إنجاز المشاريع العمومية أولا والخاصة ثانيا سواء تعلق ذلك بالبُنى التحتية أم بمختلف المرافق العمومية والهدف الأساسي هو استحثاث نسق العمل والإنتاج لنخرج ماديا ونفسيا من مرحلة شبه الركود التي طالت منظومتي الإنتاج والعمل في بلادنا...
2 - القيام بكل الإصلاحات الضرورية التي تحرر المبادرة وتجعل من الإدارة التونسية بمستوياتها المختلفة قاطرة فعلية للإنتاج السريع وطرفا جديا لتعبيد الطريق أمام كل الباعثين العموميين والخواص والأجانب على حد سواء.
3 - تثوير جذري لمنظومة التكوين عندنا بداية من الأقسام التحضيرية وصولا إلى الشهادات الجامعية العليا بعلاقة وطيدة بالتكوين المهني عالي الجودة إذ لا معنى للارتفاع في سلم القيم ما لم يكن مؤسسا على تكوين عام وتقني قد ارتقى بدوره في سلم القيم...
وبقدر ما نعتقد أن الخطط موضوعة بطريقة مرضية إلى حد ما في المستويين الأول والثاني فإننا نتوجس خيفة من إخفاق ذريع في المستوى.....