القطيعة

يسعى غيرنا إلى تحليل مضمون خطاب 'الشاهد' وما جاء فيه من توضيحات وأرقـــام وانتقـــادات، وتحذيرات ....

ونرى أنّه من المهمّ التركيز على ما يحدثه الخطاب من أثر في الجمهور، ورصد كيفيّة تلقّي فئة من التونسيين، أي الشباب لخطاب رئيس الحكومة ومدى تفاعلهم مع ما ورد فيه من رسائل. وبما أنّ السياسيّ اختار التلفاز وسيطا للتحاور مع التونسيين ورأى أن يكون هو الباثّ الوحيد للرسالة لا المتفاعل مع الآخرين فليس بإمكاننا إلاّ أن نتابع ردود الفعل على الفايسبوك باعتباره فضاء لعرض المواقف والتعبير عن المشاعر والترويح عن النفس وكذلك لممارسة أشكال من العنف. وليست تعليقات الشباب في وسائل التواصل الاجتماعي إلاّ المحرار الذي يساعد المهتمّ بالشأن العامّ على تبيّن مدى فاعليّة الخطاب السياسيّ وقدرته على جلب انتباه فئة هامّة من التونسيين من المفروض التعويل عليها في المشاركة السياسية وفي بناء تونس.

لا أثر لخطاب 'الشاهد' في الشباب وكأّنّه لم يتكلّم ولم يحاول بكلّ ما اوتي له من جهد وسلطة وإمكانيات تقنية أن يؤثّر وأن يقنع التونسيين بأنّ الغد سيكون أفضل وفق خارطة الطريق المرسومة، وهو أمر متوقّع مادام رئيس الحكومة يصرّ على أن يتّخذ وضعا ينمّ عن تجاهل مقصود للمشاكل الحقيقيّة للبلاد. فما ينتظره الشباب ليس الردّ على المدّ الشعبويّ والعنف، على وجاهة الانتقادات، بل إحداث تغيير فعليّ، والاعتراف بهم طرفا هامّا في الحوار لا الاستمرار في استبعادهم. فليس 'أصحاب الشهادات العليا' الذين ذكرهم 'الشاهد' في خطابه الممثّلين 'الرسميين' للشباب إذ ثمّة أصوات أخرى تتكلّم وتعبّر عن حاجاتها تنجح مرّة في لفت انتباه بعض المسؤولين وتفشل مرات أخرى فيكون الانتحار أو 'الحرقة' أو 'الإجرام' بديلا في بلد عجزت قياداتها عن توفير بدائل أخرى.

ولنا أن نتساءل لم سكت الشبّان والشابّات عن 'الكلام المباح''؟ هل اعتبروا أنفسهم غير معنيين بالخطاب السياسيّ ؟ هل أدركوا مسبقا أن الإنصات للخطابات السياسيّة صار مضيعة للوقت والحال أنّ لهم مشاغل أهمّ بكثير من 'عرض خارطة الطريق'؟ وهل يمكن تأويل الصمت وعدم التعليق ورفض التفاعل عقوبة مسلّطة على رئيس الحكومة وعلى كلّ السياسيين وإعلانا رسميّا عن العزوف عن المشاركة السياسية؟

ليست اللامبالاة بمضامين الخطابات السياسيّة على اختلاف مشاربها وتعدّد الناطقين بها في نظرنا، إلاّ علامة دالة على حدوث القطيعة بين الشباب والسياسة من جهة، والشباب والسياسيّ/ة من جهة أخرى. فكم من خطاب فضح الفراغات وسوء الفهم وعرّى الواقع المرير فأضحى بدوره حجّة على وجود أزمة تواصل بين مختلف الفاعلين في البلاد. وحين يكون أفق فهم الواقع مختلفا، وطرق التعبير بين الباثّ والمتقبّل متباينة والتصوّرات متقابلة والطموحات متضادّة تغدو الجدران سميكة وعازلة لا يمكن اختراقها بيسر، ويبدو جسر التواصل والعبور إلى الآخر مقطوعا كطرقاتنا المقطوعة...

للاستبعاد طرق مباشرة وأخرى ناعمة ولا يكفي أن نستعير لغة الشباب فنزعم أنّنا «مسينا السيستام» حتى نفهم بنية العلاقات بين الأجيال ومواقف الشبّان ممّا يحدث. ولا يكفي أن ندعو «'تحيا تونس»' حتى يحقّق الخطاب النجاعة المطلوبة. السؤال المركزيّ الذي آن الأوان الاهتمام به: لم لا يعترف الشبّان بكهل يمسك بزمام السلطة ويرون أنّه لا يفهمهم ... محاصر «بواقع لا يجيد قراءته' على حدّ عبارة الراحل درويش؟.

يردّ الشبّان بطريقة ساخرة فيوجّهون الرسائل لا لرئيس الحكومة بل لمؤسسات وشركات ووزارات تعرقل حياتهم. فلشركة النقل:«إذا دزوك وطحت احسب روحك تتزرزح» وللكنام''كالزير المتكّي لا يضحّك ولا يبكى''ولشركة تونس للأنترنت ''الصوف يتباع بالرزانة'' وللتلفزة الوطنية ''البغل تبدل والكريطة هي هي''وللخطوط التونسيّة ''Mieux vaut tard que jamais ....

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115