ولن أتعرّض أيضا، لانتحال الصفة وبقية أصناف التحيّل التي يكاد لا يخلو منها بلد، ولها وسائل الكشف عنها ورقابتها وردعها ..
وأخيرا لن أثير فنون «قلب الفيستة» في المجال السياسي والإعلامي والثقافي، وظاهرة لابسي جلابيب الزعماء والإسلام والنضال والنزاهة ونظافة اليد، وهم في حل منها، ولن أحتاج إلى القول بأن بعضهم كانوا بالأمس القريب مجرّد مخبرين يقبضون بيـد، عمولة إفادتهم، ويرفعون باليد الأخرى، علامة النصر أو قبضة التحدّي، بشهادة من كانوا يستلمون التقارير ويسلمون المقابل، والذين يخيّرون الصمت والدعوة بـ«الستْر»...
لن أثير ما سبق رغم دخوله في خانة السلع «الفالسو» بل سأكتفي بتناول ما أصبح متفشّيا والمتمثّل في ظواهر قديمة- جديدة كثيرا ما يُخفي بعضها شبهة فساد إداري، لأنها توجد في مجال إسداء الخدمات الإدارية وكثيرا ما تكون سببا لتعطيل أعمال الناس و إهدار وقتهم وتهرئة أعصابهم ونفاد صبرهم وإتاحة إمكانية ابتزازهم..
والأمثلة على هذا كثيرة ومتعدّدة نستعرض بعضها على سبيل الذكر:
- تُودعُ ملف شركة تجارية في عملية عقارية يتضمّن سجلها التجاري أن إشهار الشركة تمّ بالرائد الرسمي تحت عدد كذا بتاريخ كذا، فيطلب منك تقديم نسخة من الرّائد الرسمي، بطرح نفس التساؤل يقال لك لمزيد التأكد والتثبت..
- تعرض شهادة مسلّمة من إحدى البلديات تثبت أن العقار صالح للبناء فيطلب منك الإدلاء بشهاد من المندوبية الجهوية للفلاحة المختصّة لتثبت أن العقار غير فلاحي، وعندما تتساءل عن سبب عدم كفاية شهادة البلدية، يقال لك، لمزيد التأكد والتثبت..
- تقدّم نسخة من وثيقة مصادق عليها بمطابقتها للأصل من طرف المصالح البلدية، يُطلب منك الإدلاء بنسخة قانونية مسلّمة من القباضة المالية ، وعندما تتساءل عن السبب يقال لك، لمزيد التأكد والتثبت ...
- تقدّم شهادة في مضمون عقد زواج، فيطلب منك تقديم أصل العقد أو الصداق، وعندما تسأل عن السبب يقال لك لمزيد التأكد والتثبت...
- تعتمد تنصيصات مضمّنة برسم عقّاري بالتشطيب على رهن أو على أي تنصيص آخر، فيطلببُ منك الإدلاء بشهادة رفع يد، وعندما تستند إلى ما تمّ إدراجه بالرسم، يُقال لك أيضا لمزيد التأكد والتثبت وقطع دابرالشك ...
- تستظهرُ ببطاقة مهنية لطلب خدمة معيّنة يطلب منك شهادة عمل، وتقدّم شهادة عمل فيُطلبُ منك بطاقة مهنية، وعندما تبدي تعجّبا، تُجابه كالعادة لمزيد التأكد والتثبت...
- تستظهرُ ببطاقة تعريف لتثبت عنوانك أو مهنتك فيطلب منك الاستظهار بشهادة إقامة أو شهادة عمل ويقال لك لمزيد التأكد والتثبت...
- تتقدّمُ لتسجيل عقد أو كتب فيُطلبُ منك التحوّل إلى القباضة المختصّة ترابيا ، فتتحوّل إلى القباضة المختصّة ترابيا فيطالبك القابض بالإدلاء بما يفيد خلاص الأداء عن الدّخل للسنوات الثلاث الأخيرة، وعندما تواجهه بأن كل شيء مخزّن لديه تُعادُ نفس الإسطوانة ..
- تقدّم مطلبا للشركة التونسية للكهرباء والغاز لتركيز عدّادات بعمارة حديثة البناء، يقال لك يجب أن تقوم بخلاص ما تطلب، فتقوم بالخلاص، فيعلمونك لاحقا بأن العدّادات غير متوفّرة حاليا، فتطلب شهادة في ذلك لتثبت لمقتني الشقق بأن التأخير خارج عن النطاق ، فيُرفضُ
طلبك، وترفضُ المصالح البلدية تمكينك من شهادة في إنهاء الأشغال، وعندما تتذمّر يُضمرُ الإداريون لك العداء ويذيقونك الأمرّين بإختلاق العديد من الأسباب لمماطلتك، هذا إذا لم يتّفقوا على تقديم شكاية ضدّك للإدعاء بأنك تجاوزت حدود الإحترام واللّياقة واعتديت على موظف حال مباشرته لوظيفته...
من كل هذا الكثير والمثير، يقع الإحتجاج به بدعوى تطبيق القانون أو المناشير أو التوصيات أو لإجتهادات خاصّة، أو لجريان العمل، وهو ما يقيم الدّليل على أن الثقة في العديد من الوثائق الإدارية أصبحت مهتزّة ، وأن عقلية الخوف من «الفالسو» أصبحت منطلقا لاستنباط حلول كثيرا ما تنهلُ من مستنقع الفساد والرشوة..
فهل يعود هذا إلى فساد تشريعي أو إداري أم إلى محدودية استغلال التقنيات الإدارية الحديثة و كيف يمكن مجابهة ذلك ؟
للحديث بقية...