ويحصل فيه إجماع لأغلب الفئات الاجتماعية على فشل خيارات السلطة في تسيير الشأن السياسي و في معالجة المشاكل المتراكمة و الأزمة الّتي تعيشها البلاد .
والطريقة المثلى لإحياء هذه الذكرى يكون بتقييم رصين لما وقع تجنّبه من مخاطر في المرحلة الإنتقالية وما حصل من خسائر وما تحقّق من انجازات خلال السنوات الثماني الأخيرة.
ولا شك أن المخاطر المحتملة حينذاك كانت تتمثل في المخاوف من الإنسداد التام لقنوات الحوار والدخول في دوامة العنف الّتي كان يحذّر منها الشهيد شكري بلعيد، وهي تخوفات جدية من الدخول في مواجهات دموية و في حلقة التناحر من أجل المسك بسلطة آحادية .
هذه المخاوف زادت حدّة خاصة بعد متابعة ما حصل في ليبيا و مصر، الأمر الّذي دعم المبرّر الداعي للبحث عن سبل الوفاق في ظرف تعالت فيه لهجة الإقصاء و تباينت فيه توجهات و مواقف الأطراف المعارضة لحكم بن علي خاصّة بين اليسار و التشكيلات والتنظيمات ذات المرجعيات الدينية و في مقدمتهم حركة النهضة .
هذا المبرّر تبنّاه جانب هام من السياسيين وفي مقدّمتهم الماسك بزمام الحكومة المؤقتة الأولى و مؤسسّ نداء تونس رئيس الجمهورية السيد محمّد الباجي قائد السبسي و من خلاله برز قبول توخّي ما سمّي آنذاك بالحوار الوطني لسن دستور في مرحلة أولى ، ثم في مرحلة ثانية ، الانخراط في فكرة التوافق أو الوفاق إثر حصول حزب نداء تونس على الأغلبية في الانتخابات التشريعية و فوز مرشحه في الانتخابات الرئاسية ، مقابل حصول حركة النهضة على المرتبة الثانية سنة 2014.
ولكن ما وقع التحذير منه حصل وخسرت تونس المناضلين شكري بلعيد و محمّد البراهمي وعدد لا يستهان به من الجنود والأمنيين والأشخاص العزل من تونسيين وأجانب في جرائم إرهابية ما تزال لم تنكشف خيوط تدبيرها وتنفيذها إلى اليوم .
كما أن المسارات الّتي تمّ رسمها أدخلت تونس في دوامة الشك و التذبذب منذ مرحلة التأسيس الأولى الّتي نفّذت فيها الترويكا سياسة فكّكت فيها الدولة و ادخلتها في نفق ما زالت تعاني البلاد من تبعاته . وقد تمّ ذلك بدعم مالي وسياسي من الدول الداعمة لما سمي بـ«الإسلام السياسي» وبإستغلال التمركز في بعض هياكل الدولة الّذي تحقّق بإستغلال التمطيط في المرحلة «الـتأسيسية الإنتقالية».
مرحلة التأسيس هذه ساهمت في كشف حقيقة حركة النهضة و تعرية أهدافها وخطابها المزدوج ، الّذي لم ينفّر عنها العديد من الناخبين بل نفّر كذلك العديد من المواطنين من الإنتخابات بوجه عام.
كما شهدت هذه المرحلة الّتي لا نزال بصددها انقسام وتشرذم حزب نداء تونس الذي كان مطمحا لإعادة التوازن ، و أيضا تذبذب العديد من الأحزاب ،و إنحسار شعبية عدد آخر منها بسبب أخطاء ارتكبتها لغياب طريقة في التواصل مع القاعدة الانتخابية و تقديم برامج مقنعة لها . و قد نجم عن كل ذلك تقلّص ثقة القاعدة الإنتخابية في العمل الحزبي ، بعد أن أصيب جزء منها بالإحباط و تُرجم ذلك في العزوف عن المشاركة في العمليات الانتخابية و المشاركة في الحياة السياسية وفي انحسار دور منظمات المجتمع المدني.
لقد كانت تونس ضحية تشوّه نظامها السياسي وهشاشة مؤسساتها و سير نظامها القانوني، وغياب الحس الوطني لأغلبية المتشبثين بمواقع السلطة ، ولإنعدام التجربة في مواجهة الأزمات الاجتماعية في ظل ضعف الإمكانيات و الموارد وتفشي مظاهر الفساد.
لذلك يبقى ما أُنجز لتثبيت مكاسب المرأة التونسية و إقرار حرية الرأي والتعبير وترجمة ذلك على أرض الواقع ، هشّا ،لأنه ثبت أن قوى الشد إلى الوراء لا تزال تتمسّك بمشاريعها المندرجة ضد الحداثة والتقدّم. و إذا أضفنا المصاعب الإقتصادية الإجتماعية ، وتواصل الأزمة السياسية فإن القول بأن تونس تتخبّط في خيارات التأسيس غيض من فيض.