وشهد شاهد ...

تتوالى الخيبات في هذا البلد وتنكشف العورات وليس أمام التونسيين إلاّ التأمّل في ما يحدث والبقاء

تحت وقع الصدمة أيّاما وأيّاما. فبعد المهازل التي شارك فيها عدد ممن يحتسبون من «أهل السياسة» ها هو «مجلس الشعب» تحت الأنظار مرّة أخرى، وها هو أداء من يفترض أن يكونوا نوّاب الشعب على محكّ التقييم.
لابدّ أن نقرّ بفضل الغيورين على إنجاح مرحلة المسار الديمقراطي علينا فلولا تمسّكهم بتطبيق مجموعة من الآليات التي تضمن الشفافية والمساءلة والمحاسبة وتمكّن المواطنين من المتابعة والاطلاع والمشاركة في الشأن العامّ لما أمكن اليوم أن نتبيّن ما يجري.

لقد كان نقل ما يحدث داخل مجلس الشعب أثناء النقاش والمداولات والتصويت عبر التلفزة الوطنية فرصة ثمينة للاطلاع عن كثب على نسبة الحضور وأشكال التعبير وطرق التفاوض وحركات الأجساد، وطرق عرض الذوات و«بلاغة القول» وصدقية الخطاب وكيفية «مسرحة الأحداث»، وأشكال المشاجرة والعراك... وليس الخبر كالمعاينة.
وها نحن اليوم أمام مشهد عري تامّ يسمح لنا بالتحديق بملء العين في عورات الجميع فتظهر لنا البشاعة والقبح ويتجلّى السقوط الأخلاقي... ولا نكاد نستثني إلاّ فئة قليلة حافظت على بعض الملابس التي تسترها. ولكن هيهات فالاستثناء لا يؤسس قاعدة ولا يصنع النماذج.

ونتساءل كيف يمكن للنواب أن يدعوا التونسيين إلى العمل الدؤوب من أجل الإنتاج وتحقيق التنمية وهم يهجرون مقاعدهم ؟ وكيف يمكن للنواب أن يشهّروا باستشراء الفساد في مختلف المؤسسات وقد شهد شاهد من أهلهم أنّ نسبة منهم فاسدة وتستمتع بالحصانة فتفلت من العقاب ؟ كيف يتسنّى للنواب أن ينتقدوا أزمة الأخلاق والمبادئ ومنهم من يبيع ماء وجهه في سبيل تحقيق مصلحته ومنهم من يتستّر على المفسدين؟ وكيف للنواب أن يندّدوا بعدم الالتزام بخدمة الصالح العام وهم يتفانون في خدمة مصالحهم ومصالح أقاربهم؟ وكيف يمكن لهؤلاء أن ينتقدوا عدم تطبيق القوانين وهم يتصرفون بطريقة تثبت أنّهم لا يحترمون القوانين؟ ثمّ كيف للنوّاب أن يسائلوا أعضاء الحكومة ومنهم من هو أولى بالمساءلة والمحاسبة؟

ما عاد بالإمكان اعتماد شهادات الوافدين على المجلس على ما يجري في الكواليس من صفقات ومواجهات وغيرها إذ صارت تدوينات عدد من النواب على الفايسبوك وتدخلات عدد منهم أمام الكاميرا رصيدا مهمّا لإدانة من يفترض أنّهم انتخبوا لخدمة مصالح الشعب. يكفي أن تتأمّل في ما يقوله بعض النواب عن مظاهر الإثراء الفاحش لعدد من زملائهم، وكيف تبرم الصفقات وتحاك المؤامرات والدسائس والأكاذيب وغيرها لتقتنع بأنّ لا مجال من الاعتراف بأنّ «الدرس قد انتهى يا غبي».

لقد ظلّت هذه الفئة القليلة صامتة طيلة أشهر لا تريد «فضح المستور» بدعوى أنّ لكلّ قطاع مشاكله، ومن العيب التشهير بالزملاء... ولكنّها اليوم آثرت الكلام فعبّرت عن موقفها ممّا يحدث. ولكن هل يقتصر دور هذه الفئة على البوح والحكي و'الفضفضة' أم أنّ لها دور الإصلاح من الداخل والتعديل الذاتي لاسيما في هذا السياق التاريخي؟

لقد ترتّب عن التلاعب بالمصلحة العامّة وسوء أداء الواجبات في مختلف المؤسسات وإدارة الشأن العامّ عدّة نتائج لعلّ أبرزها اتّساع دائرة المضربين عن المشاركة السياسية انتماء للأحزاب وترشحا وتصويتا،واستشراء حالات الغضب والاستياء والحنق الشعبي فضلا عن بروز علامات التطاحن الطبقي والصراع الجيليّ وانعدام الثقة في السياسيين والنواب وغيرهم من' اللاعبين' في هذه المرحلة من أهل المال والسياسة ومن دار في فلكهم من الإعلاميين. فلا غرابة والحال هذه أن تهتم مختلف وسائل الإعلام العالمية بما يجري في تونس خلال هذه الأشهر... البعض ينتظر سقوط الأنموذج ليهلّل وينظّر، والبعض الآخر يرصد علامات المقاومة وينتظر حسن المآل...

لقد اكتشف أهل القانون الثغرات والهنات في النظام الانتخابي وفي الدستور وكذلك في بنية العلاقة بين السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية ومعنى هذا أنّ مرحلة التأسيس لأنظمة ومؤسسات قد تحقّق المنشود مازالت مستمرّة. ولعّل إعادة النظر في موقع مجلس الشعب وآليات إدارته ونجاعة النظام الداخلي مطروحة اليوم بشدّة على الخبراء علّنا ننقذ ما يمكن إنقاذه.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115