وعن مدى استكمال الحوار الاجتماعي بشأنه مع منظمتي العمال والأعراف، ولكن يوم أمس كان بامكاننا ولوج مسار اصلاحي طويل أقدمت عليه جلّ دول العالم بأقلمة منظومة الضمان الاجتماعي المتبناة منذ بدايات الاستقلال والواقع الديمغرافي الجديد اليوم وغدا..
هنالك معطى كوني وتونس جزء منه وهو الارتفاع المطرد لأمل الحياة عند الولادة والتأخر النسبي لدخول عالم الشغل بما يقلص باستمرار نسبة الأجراء المشتغلين مقارنة بالمتقاعدين.. وبغض النظر عن كل النظم التي ابتكرتها الدول لتحقيق التضامن بين الاجيال فسيأتي يوم يستوجب مراجعة جذرية للمعادلة الأولى.
انخرام توازن الصناديق الاجتماعية لا يعود إلى سنوات الثورة بل بدأ قبلها وكان متوقعا منذ حوالي العقدين من الزمن، فالتحول الديمغرافي معطى استراتيجي يسهل استباقه ولو أردنا لمنظومة التقاعد أن تكون متوازنة داخليا لا نملك الا اللعب على مكوناتها الثلاثة فقط ليس الا: سن الخروج الى التقاعد ونسبة الجراية من الأجر المرجعي ونسبة المساهمة أو أن نقحم فيها عنصرا اضافيا كما عمدت الى ذلك دول عدة وكما فعلناه في السنة الفارطة عندما أدرجنا في قانون المالية ضريبة تضامنية بـ 1 ٪ على دخل الأفراد ومرابيح المؤسسات موجهة فقط لتمويل الصناديق الاجتماعية...
ما حصل هو أننا تأخرنا كثيرا في البدء بالاصلاح الى أن أصبح عجز الصناديق هيكليا وأصبحت منظومة التقاعد عبءا على المالية العمومية..
المشروع الذي قدّم يوم أمس يحتوي على ادخال عنصرين أساسيين: الترفيع بسنتين اجباريتين للخروج الى التقاعد والترفيع في المساهمة الاجتماعية بـ3 ٪: 2 ٪ للمشــــغل و 1 ٪ للعون.. ولكن الحكومة التي طالما اشتكت من غياب السند السياسي لاصلاحاتها اكتشفت يوم أمس أن تحالفاتها السياسية التي وفرت لها حزاما نظريا يتجاوز 120 نائبا انما هو هش ولا يملك النفس الطويل، فبعد أن مرّرت الأغلبية الجديدة قانون المالية بنوع من اليسر في التصويت هاهي تجد صعوبة جمة في التصويت على الفصول الستة لما تعتبره من أهم اصلاحاتها اذ مرّ الفصلان الأول والثاني بـ 73 صوتا فقط، وهو الحد الأدنى للمصادقة، ثم ارتفعت نسبيا أرقام المصادقة الى 77 في الثالث و 79 في الرابع والخامس و78 في السادس، ولكن لما صوّت المجلس برمته على مشروع القانون لم نجد الا 71 نائبا لفائدته بما أسقطه وسط فوضى لا يعلم سرها إلا مجلس نواب الشعب!!
أين ذهب نواب الأغلبية؟ هل انتابهم الارهاق بعد ماراطون الميزانية أم أن «الثقة في النفس» بحسب عبارة بعض محللي كرة القدم قد جعلتهم لا ينتبهون الى ضعف عددهم وأن غياب 40 ٪ منهم سيجعل هذا القانون الذي تعوّل عليه الحكومة كثيرا أمام خطر السقوط وهذا ما حصل له فعلا بصفة غريبة للغاية.
اليوم وبعد سقوط مشروع القانون في الجلسة العامة ينبغي انتظار ثلاثة أشهر على الأقل - وفق الفصل 136 من النظام الداخلي - لاعادة عرضه من جديد بما يعني أن بداية اصلاح الصناديق لن تقع في السنة القادمة بل ستتأجل، حسب أفضل الحالات، الى سنة 2020.
ما حصل يوم أمس يؤكد حقيقة مرة وهي أن الطبقة السياسية الحاكمة بمختلف تحالفاتها قد ضيّعت عهدة انتخابية كاملة على البلاد وأخشى ما نخشاه أن يتواصل هذا الاخفاق بعد سنة 2019.