وزارة الدّاخلية ،في شارع حمل في السنوات الأخيرة رمز «الثورة» باعتباره كان مركز الحشد الذي عرفته تونس يوم 14 جانفي 2011.
هذه الجريمة النكراء الّتي فجرت فيها ارهابية شابة نفسها مستهدفة رجال الأمن ، أراد المخطّطون لها أن يبرهنوا على قدرتهم على الضرب في أي مكان و في أي وقت و بأسهل الأساليب الّتي لا تحتاج إلى دربة أو عتاد . كما أرادوا أن يؤكدوا على الحقد الذي يكنونه لقوات الأمن الوطني، وبعدم تسليمهم بحصول أي «ثورة» أو تحول في نظام الحكم .
لقد اختار المخطّطون للجريمة الإرهابية، القيام بفعلتهم الشنيعة في وضع إقتصادي صعب
وفي خضم مناخ سياسي مضطرب يكثر فيه التلاسن وتتعدّد فيه الخطط لتغيير التوازنات البرلمانية ، ومشاريع تغيير الحكومة، وفي مرحلة سجل فيها الأمن ضربات استباقية للإرهاب في مناطق مختلفة جعل الاعتقاد يسود بأن البلاد أّمنت على نفسها من أخطار الإرهاب .
إن استعمال التفجير بالحزام الناسف ، يستعمل للمرّة الرابعة ، ويُنفذ لأوّل مرّة بالإعتماد على فتاة عادية لم تكن تُعرف بأي نشاط لدى الأمن وحتى لدى أهالي المنطقة الّتي إنحدرت منها، هو ما يقيم الدّليل على أن قوى الإرهاب لا تتورّع في استقطاب أبسط الناس وتستغل ظروف العيش الصعبة وأصحاب النفوس الهشّة والأشخاص المتبرّمة من سوء حالها ومن الخصاصة أو البطالة .
لقد أراد الإرهابيون بث الرعب و الخوف مجدّدا في نفوس الناس بإستعمال وسيلة تبدو أنها تقليدية ، للقول بأنهم قادرون على الضرب في أي مكان ، ولو كان في القلب العاصمة ،فما حصل في شارع محمّد الخامس يمكن أن يحصل في شارع بورقيبة وفي أي موطن حسّاس آخر
كما أراد الواقفون وراء الجريمة الأخيرة ، زعزعة الاستقرار الأمني، والتشكيك في قدرات تونس على مقاومة الارهاب، وضرب مساعي استرجاع ثقة المستثمرين والّذين بدؤوا يختارون تونس كوجهة آمنة ومستقرّة، وللتشكيك أيضا في الماسكين بالسلطة، بإبراز إخفاقهم في توفير الأمن للمواطنين. كما أرادوا بث مزيد من الشك حول القوى السياسية الماسكة بالسلطة أو الطّامحة لمسكها ، لبث مزيد من البلبلة في أذهان الناس، وربّما للدفع إلى التناحر.
ما يجب أن يُؤخذ بعين الإعتبار ليس ما يريد الإرهابيون التدليل عليه لإبراز قوّتهم ،و لبث الرعب في المواطنين ، وإنّما ما يجب استيعابه من دروس ، يكمن في ضرورة الحيطة والتحسّب من نقاط الضعف الّتي يمكن استغلالها من طرف القوى الظلامية و الإرهاب، ومن توفر المناخ الملائم لبث أفكارهم و التأثير على الشباب المحبط أو ضعيف الإرادة ، وإحباط رغبتهم الدفينة في استضعاف الدولة والمس من قدراتها.
ما حصل أمس كان يمكن أن يحصل قبل أوّل أمس و في أي بقعة من بقاع العالم ،و نقول هذا ليس للتقليل من شأن ما نفذ في تونس ، و إنّما للقول بأن الإرهاب الأعمى و الضربات الغادرة ، لا يجب أن تؤثر على عزائم التوقي والتصدّي و المقاومة و المجابهة .
هذه الضربة الغادرة يجب ألاّ تمنع سعي كل القوى السياسية المدنية و المتشبّعة بالقيم الديمقراطية والتقدمية، إلى سحب البساط من القوى المتربّصة بحاضر البلاد ومستقبلها، والانصراف إلى العمل الجاد للنهوض بالأوضاع ، ولتجاوز التردّي والتجاذبات غير المجدية. فذلك هو السبيل لسد الباب أمام قوى الردّة والظلامية وكل من يقف وراءها، الّتي لا همّ لها غير زعزعة الاستقرار واستضعاف الدولة وبث الخوف والرعب الّذي يندرج في نطاق خططها لتنفيذ مشاريعها.