الانتخابات الرئاسية بين الالتزام بربطة العنق أو التحرّر منها

أسئلة تطرح ونحن نستعد للحملات الانتخابية: ما هي مواقف الشباب من كلّ ما يجري؟

هل ضاعت أصواتهم في خضم هذه المعارك بين مختلف الفاعلين السياسيين، وهم الذين كانوا في مقدّمة الحراك فاعلين مصمّمين على إحداث التغيير حالمين بغد أفضل متشبّثين بأحلامهم؟ هل يعدّ الصمت اختيارا واعيا ومعبّرا عن قرار سياسي استباقيّ أم هو انسحاب قسريّ من الفعل السياسيّ بعد أن تغيّرت ملامحه وبات المناخ المحيط به مقرفا؟ وعندما يخيّم الصمت على هذه الفئة الاجتماعية الهامّة من حيث العدد وابتكار المبادرات والفعل في الواقع، وتندر الدراسات الاجتماعية الميدانية يغدو الموضوع مفتوحا على أكثر من احتمال.:

تبدو مقاربة علاقة الشباب بالوضع السياسي الراهن ودراسة الصلة بين العملية الانتخابية والسنّ مهمّة في تقديرنا، لأسباب مختلفة لعلّ أهمّها النظر في ما ترسّخ في المتخيّل السياسي الجمعيّ من صور تربط الزعامة والقيادية والحكمة وحسن التدبير السياسي بالكهل والمسنّ. وفي المقابل تبنى صور الشبّان والنساء بطريقة تنفي عنهم هذه الخصال وتصلهم أكثر بالطيش وقّلة الخبرة، والفوضى والانفعالية وغيرها من الصفات السلبية. وإذا كانت القيادة السياسية في التاريخ السياسي العربي قد ارتبطت بالذكورة والقرشية والعدالة وغيرها من الشروط فإنّ صورة الزعيم السياسي صارت في العشرية الأخيرة، تتحدّد من منظور الذكورة والسنّ «والبلدية» والخبرة والمال والقدرة التواصلية التي تجعل السياسي ماهرا في تسويق الحلم.
وهكذا يتحوّل القائد - المسنّ إلى رمز للسلطة والهيمنة لا من خلال مشروعيّة النضال والقدرة على ابتكار برامج ريادية بل بفضل اكتسابه القدرة على المناورة والتلاعب وتحقيق الغلبة والانتصار على الخصوم في سياق تاريخي تعدّدت فيه الأزمات، وباتت تهدّد استقرار الدولة. وفق هذا الطرح نفهم لم مال أغلبهم في الانتخابات السابقة، وإن بطريقة غير واعية، إلى اختيار مرشّح نسج خطابا يبعث برسالة طمأنينة إلى نفوس التونسيين، ويبشرهم بالاستقرار واستكمال مسار التحوّل بعد تجربة «الترويكا المريرة».

ولكن ها نحن اليوم أمام واقع مغاير يتزحزح فيه معيار السنّ عن موقعه في سلّم ترتيب محددات الاختيار مؤذنا بذلك بتشكّل صورة مختلفة للرئيس/ة القادم لاسيما بعد تعبير رئيس الحكومة يوسف الشاهد عن رغبته في خوض تجربة الترشّح للرئاسة. فبالرجوع إلى نشاط هذا الفاعل الجديد ننتبه إلى محدّدات جديدة منها القدرة على الحركة على أرض الميدان (المدارس، الميناء، المدارس، ...) ومحاولة تجديد الخطاب ( ناقفو لتونس،...) ومنها أيضا الميل إلى كسر الصورة النمطية للسياسي. فبينما اختار رئيس حزب النهضة «ربطة العنق» و«الهندام الإفرنجي» علامة على فضاء رمزي جديد يتحّرك فيه الشيخ مال «الشاهد» إلى التحرّر من ربطة العنق، والالتزام التام بالبدلة «الرسمية» ومن كلّ المعايير التي تصاحبهما (الوقار، الهيبة، الصفة الرسمية، السلطة،...) فرأيناه في هيئات مختلفة مرحا بشوشا بلغة جسدية مختلفة... علّه بذلك ينتزع الاعتراف من الجموع الباحثة عن مخرج فيدفعها إلى المقارنة بين أنموذجين من الزعامة ومرحلتين من التاريخ.

تقاد المعركة الانتخابية إذن على أكثر من واجهة، وبأدوات مختلفة منها المعلن ومنها المضمر، ومنها الواقعي، ومنها الرمزيّ ولكن ما مدى تأثير عامل السنّ في اختيارات الناخبين في الانتخابات القادمة ؟ وهل يستطيع المترشحون/ت الجدد والمنتمون إلى فئات عمرية مغايرة كسب المعركة؟ وهل سيميل عدد من التونسيين إلى «تجديد» صورة الرئيس/ة المقبل بعد أن ملّوا الصراع بين الشيخين؟ وهل سيؤثّر الإعلام في تغيير الصور النمطية؟

إنّ تقليب النظر في التعليقات وعناوين الصحف التي تصرّ على تسمية الزوج: السبسي والغنوشي بالشيخين (الدهاة، الماكرين، الذئبين...) وصور الفوتوشوب المتداولة في الفايسبوك حول صورتي السبسي والغنوشي والتي تظهرهما بطريقة ساخرة أحيانا في ملامح الكوبوي أو الراقص العصري أو قائد فرقة الجاز وغيرها فضلا عن صراع القيادات داخل حزب النهضة وغيره من الأحزاب يحملنا إلى تبيّن دلالات جديدة معبّرة عن إرهاصات سلوك انتخابيّ يروم تجاوز «أنموذج السياسي - الشيخ». ولكن هل يكفي محدّد السنّ لاستقطاب الشباب وجمعهم حول مشروع سياسي جديد؟ وهل بإمكان الفاعل السياسي الكهل أن يتخطّى أزمة الشكّ وخيبة الأمل والفجوات؟ وهل بإمكانه أن يستبدل «سحر الكلام» بالقدرة على الفعل في الواقع وأن يراهن على تشريك الجميع في عمليّة الإنقاذ؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115