رئاسة الجمهورية من جهة ومعسكر رئاسة الحكومة من جهة أخرى، وبما أن كل يوم يمر يقربنا من الموعد التراجيدي للحسم فهذه المعركة محكوم عليها بازدياد حدتها وشدتها وتنوع وسائلها وساحاتها..
الصورة واضحة اليوم : الأغلبية السياسية التي فازت في تشريعية ورئاسة 2014 بعد أن طالها التشظي خلال هذه السنوات الأربع قد انشطرت هذه المرة بصفة جلية وهي تملك الآن زعامتين تتقاربان في الوزن السياسي بصفة عامة ولكل منهما حلفاء وأصدقاء ، والواضح أننا سنصل بهذين الشطرين منفصلين إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة وكل ما يجري منذ أشهر وسيمتد على الأشهر القادمة إلى يوم الاقتراع هو سعي كل «شطر» إلى إضعاف «الشطر» الآخر قبل يوم الحسم النهائي وفي هذه المعركة لا وجود لضربات محظورة أو لتفاهمات مسبقة فالإطاحة بالأخ اللدود هو هدف كل فريق وفي ذلك تكون كل الضربات مباحة..
قلنا في مرات سابقة أن لبّ هذه المعركة اليوم هو المستقبل الآني لحكومة الشاهد والذي يعوّل الطرفان عليه كثيرا لغايات متناقضة وأد هذا المشروع البديل للنداء بواسطة إسقاط الحكومة والتعويل على عنصر نسيان رئيسها في الأشهر القادمة حتى تضعف حظوظ هذا المشروع إلى الأقصى هذا بالنسبة للمعسكر المصطف وراء رئيس الدولة أما تخطيط المعسكر الثاني فهو انجاز تحوير وزاري وتمريره أمام مجلس نواب الشعب من أجل غلق قوس الشرعية ثم البقاء في القصبة إلى تخوم الفترة الانتخابية لمواعيد 2019..
ولكن ما يهمنا هنا هو محاولة فهم فيزياء هذا الصراع ومآلاته القريبة وذلك بغض النظر عن نتيجة معركة التحوير الوزاري القادم .
التجاذب الحاد بين هذين الشطرين قد يؤدي إلى نتيجة غريبة وهي طغيانهما على كل منطقة الوسط الحزبية وان يمحق بالتالي كل وجود ذي بال فيها باستثناء هذين الشطرين وأن يدفع بمكونات هذا الوسط للاصطفاف أو الانصهار في أحد الشطرين مخافة الذوبان خارجهما ، وهذا ما يفسر، ولو جزئيا، انصهار الوطني الحر في النداء والتقارب الكبير بين حركة مشروع تونس وحكومة الشاهد، والأكيد أن كل تشكيلات الوسط السياسي من وسط اليمين (كآفاق تونس) إلى وسط اليسار (كالجمهوري والمسار) مرورا بأحزاب كالبديل والحركة الديمقراطية وبني وطني هي واقعة اليوم بين فكي كماشة خاصة بعد ما فشلت – إلى حد الآن– كل عمليات تجميع هذه الأحزاب والائتلاف المدني الذي تقدم في عدد من البلديات هو آخر هذه التجارب غير الناجحة ..
وإشكال هذه الأحزاب أن طموحاتها اكبر بكثير من إمكانياتها وكلها تعتقد ، أو اعتقدت بأنها قادرة على لعب الأدوار الأولى سياسيا بينما منيت جميعها بخيبات انتخابية متتالية ..
بعض هذه الأحزاب (كالبديل والحركة الديمقراطية وبني وطني على سبيل المثال ) تعتقد اليوم أنها مازالت حديثة العهد ولم تمنح بعد فرصة فعلية للوقوف على حقيقة وزنها السياسي وأنها غير معنية بانشطارات نداء تونس وأنها ستكون قادرة لوحدها في إطار تحالف محدود على انجاز نتائج هامة، وربما الفوز في الرئاسية خاصة ، ولكن ستجد هذه الأحزاب، كلها آو بعضها، نفسها أمام معضلة كبيرة إما الانتصار أو الاندثار والأكيد أن من أصيب بخيبات متكررة قد لن يتمكن من الصمود أمام خيبة جديدة.. وهذه الأحزاب لا توجد فقط بين فكتي كماشة الشطرين الندائيين ولكن كذلك بعض الأحزاب الصاعدة كالتيار الديمقراطي وخاصة أمام احتمال بروز قوي جديد لقائمات مستقلة كما حصل ذلك في الانتخابات البلدية..
معركة الوسط مازالت في بداياتها الأولى وستحتد أكثر فأكثر وهي مدعوة لتحولات وتطورات واصطفافات واصطفافات مضادة وحدسنا أن الانتصارات والهزائم القادمة ستكون أساسا، بالنقاط وقد لا ندخل مجال احتمال الضربة القاضية إلا مع الحسم الانتخابي، ولكن الثابت الأساسي هو أن هذا المشهد الحزبي الكثيف في منطقة الوسط سيشهد تحولات حاسمة خلال السنة القادمة.