وإدريس الزواغي يوم الخميس 4 أكتوبر الجاري بالثكنة العسكرية بالعوينة موجة من التعاليق المتباينة انقسمت بين مؤيد و مستهجن.
كان هذا في الوقت الّذي بدا فيه التعامل مع خبر إستشهاد عسكريين إثنين و إصابة عسكري ثالث يوم 3 أكتوبر 2018 جراء انفجار لغم غادر زرعه الإرهابيون بجبال الشعانبي ، تعاملا باهتا، و كأن الأمر يتعلّق بحادث عابر اعتاده الرأي العام، ولا يتعلّق بقطف روحي جنديين ساهرين مع بقية القوات العسكرية على تتبع آثار الإرهابيين المتربصين بأمن البلاد.
وتعاليق المستائين من تصريحات الوزير كانت أغلبها بلهجة التأفّف و الانتقاد الشديد وكأن ما صدر عنه على غاية من الخطورة ولا يترجم ما يختلج في نفوس أغلبية المواطنين ، ولا يُكرّرُ ما يصرّح به عديد السياسيين يوميا بخصوص تقييمهم الأداء السياسي داخل السلطة أو في مدار الناشطين السياسيين بصفة عامّة. فالقول بأن «التجاذبات السياسية هي المسؤولة عن
الإنخرامات الّتي تعرفها تونس منذ سبع سنوات، وهي المسؤولة عن سقوط الشهداء» أو التذكير بأن «السياسيين الّذين يدّعون أنهم يمثلون الشعب سيحاسبهم الشعب يوما»، هو تعبير عن رأي عارف بمجريات الأوضاع و مطّلع على تبعات عدم تركيز كل المجهودات على التصدّي لظاهرة الإرهاب الّتي حصدت إلى اليوم مئات من العسكريين والأمنيين. وهو قول يفرضه سياق متابعة نتائج العمل السياسي و ما يترتب عنه من مسؤولية قانونية و سياسية في نطاق ممارسة السلطة بتفويض للحاكم من المحكوم ، حسب المنظومة السياسية المنطبقة طبق الدستور وبقية القوانين الّتي تمّ تشريعها بإسم الشعب .
فالشعب صاحب السيادة هو الّذي يحاسب في نهاية الأمر، السياسيين الماسكين بالسلطة والطامحين إلى مسكها ، و ذلك بالتعبير عن إرادته بما لا يقل عن ثلاث طرق:
فالشعب يحاسب أوّلا بآليات الإنتخابات من خلال مشاركته الفعلية في إختيار من يعتقد أنه بإمكانه تمثيله في الاضطلاع بمهام السلطتين التشريعية والتنفيذية والشؤون المحلية،وهذه طريقة مباشرة و صريحة في ممارسة حق الإختيار.
والشعب يحاسب ثانيا بالصمت والعزوف عن ممارسة حقه في الانتخاب وهي محاسبة جماعية لكل السياسيين، وهي طريقة ضمنية للتعبير عن عدم الرضاء وتخلّي عن أداء واجب يسيء للشعب نفسه.
كما يحاسب الشعب السياسيين ثالثا، بالإنخراط في مختلف أشكال التعبير عن رفض الحاكم سواء بالضغط من خلال الجمعيات الضاغطة و منظمات المجتمع المدني ، أو مباشرة باللّجوء إلى الوسائل السلمية والعنيفة لمحاسبة السياسيين و حملهم على تغيير السياسات المتبعة أو ترك مواقع الحكم.
كل هذه الوسائل في المحاسبة استعملها الشعب التونسي قبل جانفي 2011و بعده، وآخرها الانتخابات البلدية الّتي تمت من خلالها محاسبة حزبي الأغلبية ، ويتمّ الإعداد للمحاسبة في إستحقاقات 2019.
وأمام المخاوف المتزايدة من مخاطر الإرهاب ، الّذي يباغت بين الفينة والأخرى، و يتحيّن فرص الإسترخاء والإنشغال بالتجاذبات السياسية في دوائر السلطة و الدولة ،يجدر التحذير من تبعات عدم التنبّه إلى المخاطر الّتي تحيط بالبلاد في الدّاخل وعلى تخومها في مناخ إقليمي و دولي غير مستقر.
وأمام هذه المخاطر و اتساع رقعة عدم الرضا على أداء الأحزاب و النخبة السياسية وتواصل التأزم الإقتصادي والمالي والاجتماعي، يكون من حق وزير الدّفاع أو من واجبه التنبيه والتحذير، وقد اختار الصيغة الّتي رآها ملائمة لهدهدة السياسيين ، في ظرف فقد فيه العسكريون عنصرين من قواتهم المرابطة للذود عن تراب الوطن.
ولكن الملفت للإنتباه أن ردّة فعل المنتقدين لتصريحات وزير الدّفاع ، لا تتناسب مع فحوى التحذير و فاجأت المتابع ،بسرعة اتساعها وتنوع متناقليها، إلى درجة تثير التساؤل عمّا قد تخفيه من ناوايا تضخيمها لدى الرأي العام، بحيث أصبحت توحي ،بالتهيئة لتقبّل تحوير وزاري محتمل قد يشمل حقيبة الدفاع ، رغم أن قراءة الوضع السياسي في هذه الفترة بالذات ، تستبعد حصول تحوير في ظل عدم تبيّن أغلبية برلمانية متجانسة وفاعلة. ولعل ما يبرّر القول باحتمال تهيئة الرأي العام، ما سُجّل من تواتر في تنحية كل شخصية يتوقّع أن تكون على رأس الحكومة أو تكون موضوع إقتراح من جهة من الجهات، ومن بينهم عبدالكريم الزبيدي.
و مهما يكن من أمر فإنه من الثابت أن وزير الدّفاع نقل ما يختلج في صدور عدد كبير من المواطنين ، بسبب ما يحصل في الشأن السياسي وما يشوبه من عدم استقرار وتذبذب، وهو وضع يثير مخاوف الكثيرين في فترة شك و تفكّك تعيشه أغلب القوى السياسية.