وهو في الحقيقة خطأ لأن تونس هي الثالثة عربيا وتتقدمها كلا من موريتانيا وجزر القمر ولكن الأسئلة المطروحة في هذا الإطار متعلقة بتقييمنا لهذا التقدّم: فإلى أي مدى يعتبر هذا التصنيف معبّرا عن تطوّر فعليّ لمختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والرقمية ؟ هل يعدّ انتشار وسائل الإعلام علامة على توفّقها في تقديم مضامين تتلاءم مع تطلعات التونسيين؟ ثمّ هل يعدّ ‘التعبير’ عن مختلف المواقف والمشاعر محرارا للحكم على جودة الخدمات التي تقدّمها مختلف وسائل الإعلام؟ وما هي انعكاسات هيمنة المال والسياسة على محتوى البرامج الإعلامية وعلى وعي الجماهير بل على مستقبل حرّية التعبير من جهة، والمسار الديمقراطي، من جهة أخرى؟
لا مناص من القول إنّ مراكز الإحصاء لم تعر هذا الموضوع الأهميّة التي يستحقها فلم نتبيّن خارطة دقيقة ومُحيّنة توضّح تقييم التونسيين/المستهلكين/المتفاعلين لمختلف المواد التي تعرضها عليهم مختلف وسائل الإعلام غاية ما نعثر عليه هو تقييم بعض المراصد أو الهايكا للعمل الإعلامي والذي يجهل الإعلاميين في مركز الرصد والمتابعة ويتغافل عن موقف الجمهور مما يعرض عليه من خدمات. وهكذا اختُزل تفاعل الجمهور في بعض المقالات التي انتقدت عددا من البرامج أو تعليق البعض على مواقع التواصل الاجتماعي على أداء الإعلاميين أو مضامين بعض البرامج ، وقد اندرجت أغلب هذه التعليقات في إطار التعبير عن السخط أو الاستياء أو خيبة الأمل في ما يعرض من برامج أو ما ينشر هنا وهناك.
لقد قطع الإعلاميون ومن والاهم من فاعلين في المجتمع المدني أشواطا في سبيل ترسيخ حرية التعبير ولم يكسبوا بعد المعركة فبين الحين والآخر نتبيّن ضغوطا تمارس من أصحاب القرار لتغيير المشهد وبين الحين والآخر ننتبه إلى أنّ العنف الموجه ضد بعض الإعلاميين ليس إلا علامة على تخوّف البعض من سلطة الإعلام . ولكنّنا نقدّر أنّ مسألة تقييم وضع الإعلام التونسي ليست مرتبطة بتوفّر مناخ مشجّع على التعبير عن الآراء بقدر ما هي ذات وشائج بحرفيّة الإعلاميين وتكوينهم ومدى احترامهم لضوابط العمل الإعلامي والجمهور .....