والشوارع التونسية ، وتعيش النخبة السياسية و جزء من الرأي العام المتابع للشأن العام ، على وقع المستجدات المتصلة بمحتويات وثيقة قرطاج «2» الّتي أصبحت أولوياتها مختزلة في نقطتها الأخيرة المتعلّقة بمصير الحكومة الحالية و رئيسها . وكذلك على مخرجات نتائج الانتخابات البلدية الّتي تُنسج خيوط التحالفات فيها لتعيين قياداتها في السهرات المطوّلة و في المجالس المضيّقة ،مع عين على هيئة الحقيقة والكرامة و أخرى على المحكمة الدستورية ، زيادة على متابعة التوترات المعاشة يوميا.
فالمتداولون حلول النقاط الأربع و الستين لوثيقة قرطاج 2 اتفقوا على 63 نقطة و توقفوا عند عقبة النقطة 64 ، لينقسموا كما هو معلوم بين مؤيد لرحيل الحكومة و داع إلى الاكتفاء بتعديل جزئي يكون المحطّة الأخيرة للعبور إلى استحقاقات 2019 ، التي تبقى في النهاية محط اهتمام الفاعلين والمتفرجين على حد سواء .
ولو أنه يبدو أن يوم الغد الإثنين 29 ماي الجاري سيكون محدّدا لكيفية الفصل في تباين مواقف المرشحين للتوقيع على وثيقة قرطاج 2 ، فإن مصيري الوثيقة و حكومة الشاهد، سيكونان رهين حصول «التوافق الشامل» من عدمه بين حزبي الأغلبية ، النداء والنهضة، وبقية المدعوين للتوقيع على الوثيقة ، علما بأن الغنوشي عبر عن موقف متجه نحو التغيير الجزئي للحكومة ، في حين اتجه حزب نداء تونس بمعية الإتحاد العام التونسي للشغل و اتحاد الصناعة و التجارة و الحزب الوطني الحر و اتحاد المرأة إلى طلب رحيل الشاهد وحكومته.
والحسم في هذا الأمر سيكون صعبا ، لأنّه شديد الارتباط بمستقبل التعايش بين حزبي الأغلبية في مجلس نواب الشعب ، و ما لذلك من تداعيات على النظر في الإشكاليات الّتي ستبقى مطروحة إلى نهاية هذه المدّة النيابية. من ذلك، حسم مسألة التمديد في أعمال هيئة الحقيقة والكرامة الّتي أكدت رئيستها أنها ستواصل أعمالها لاستكمال مهامها إلى موفى ديسمبر 2018 ، خاصّة و أن موقف حزب النهضة بقي متذبذبا و غير حاسم رغم القول بأن النهضة رفعت يدها عن الهيئة استنادا إلى قراءة التصويت على التمديد بمجلس نواب الشعب ، في حين اتجه موقف حزب نداء تونس إلى عدم التمديد و تبنّت الحكومة موقفا عند تحديد موعد 31 ماي الجاري آخر أجل لإنهاء أعمال الهيئة.
كما سيتجه الإهتمام قريبا إلى إشكالية تركيبة المحكمة الدستورية و المقترح الحكومي الّذي سيكون محل نظر مجلس نواب الشعب ، فضلا عن مخرجات نتائج الانتخابات البلدية الّتي اكتسح فيها المستقلون صناديق الاقتراع و لكن لم يحسم ذلك في رئاسة المجالس البلدية، الّتي تقتضي النتائج الّتي سُجّلت فيها ، القيام بتحالفات وتوافق و تنازلات ، ستكون محكومة بمساومات وضغوطات على المستويين المحلي والمركزي .
في ظل كل هذا يتواصل التأزم في عدّة مجالات، و تتواصل المخاوف من التوترات ، دون أن يتحقّق المأمول من «خيار ربح الوقت « الّذي حرّك التوجه نحو صياغة جديدة لوثيقة قرطاج . وعلى خلاف الدول ذات التقاليد الديمقراطية، فإنّ المشاورات و صياغة الاتفاقات في تونس، تشوّش في الغالب على الأعمال و على العقول، و تتسبب بدرجات متفاوتة في تعطيل السير العادي للمؤسسات ، و تكون تعلّة «لتكتيف الأيدي» و الصوم عن العمل، و تفتح مجالا لدغدغة طموحات الواقفين في طوابير انتظار الحصول على مواقع في دفّة الحكم ، فينبرون يصبّون الزيت على النار.
إن وثيقة قرطاج 2 الّتي تشغل الطبقة السياسية تقلّصت واتسعت ،ثم انفتحت وانحسرت، ولكن لم تستوعب كل مكوّنات المشهد السياسي، ولم تقنع جانبا هاما من مكونات المجتمع المدني ، بدليل نتائج الانتخابات البلدية، الّتي عبّرت فئات واسعة من خلالها،على عدم رضائها على الأداء السياسي للأحزاب . و لعلّ تواصل نفس الشد و التجاذب حول مائدة السلطة و على رقعة الوثيقة المتجدّدة ، سيزيد في تعميق النفور رغم الاتفاق على ثلاثة وستين أولوية، ولكن تضخمت النقطة الرابعة والستين ،كما توقعنا، فانطبق عليها القول «نقطة كألف، وألفْ كأُفْ».