و علّلت قرارها بضرورة استكمال مهامها الّتي يتعذّر عليها إنهاؤها في نهاية ماي 2018 حسب البلاغ الصّادر عنها يوم الثلاثاء الماضي . و الملاحظ أن هذه «الإستحالة» تمّ تفصيلها ضمن التقرير السنوي للهيئة لسنة 2016 حسب نفس البلاغ .
و في حين تضاربت المواقف القانونية والسياسية بخصوص هذا التمديد أعلنت الهيئة يوم الجمعة 2مارس 2018 أي بعد يومين من قرار تمديد أعمالها عن إحالة أول ملف لها للدوائر القضائية المتخصصة بالمحكمة الإبتدائية بقابس و وضعه بين يدي وكيل الجمهورية بهذه المحكمة بواسطة وفد منبثق عنها يليق بمقام أول مولود لها منذ أداء أعضائها اليمين في 6 جويلية 2014 .
و بالتمعن في الأسباب الّتي بررّت إستحالة إستكمال المهام يتضح أنها تتمحور حول ما عُدَ إمتناعا من بعض مؤسسات الدولة عن السماح للهيئة بالنفاذ للأرشيف العمومي أو برفض إطلاعها على ملفات لدى القطب القضائي أو القضاء العسكري و عدم تمكينها من تنفيذ آليات المصالحة و غيرها من التصرفات الّتي اعتبرتها معطلة لاستكمال أعمال التقصي لكشف الحقيقة .
هذا يعني أن الهيئة كانت على بيّنة ممّا أسمته عراقيل منذ جويلية 2016 و لكنها لم تتمكن من فعل أي شيء ، و قد استبقت بـ«التهديد» بالتمديد في آخر نقطة من الآفاق الّتي رسمتها في تقرير 2016 قولا بأنها ستواصل « دعوة مختلف هياكل الدولة إلى التعامل الإيجابي معها والالتزام بمقتضيات قانون العدالة الإنتقالية خاصّة فيما يتعلّق بحقها في النفاذ حتى تتمكّن من إنهاء عهدتها في الآجال القانونية دون الالتجاء إلى التمديد ...»
إذن نفّذت الهيئة ما لوحت باللّجوء إليه ، و ليس لها في الحقيقة أي معطى جديد يؤكّد أنها ستتمكن في الفترة الممتدّة إلى شهر ديسمبر المقبل من تجاوز ما اعتبرته عراقيل . و هذا نراه مستحيلا ليس لغياب الإرادة كما تذهب إلى ذلك ، الهيئة ،و إنّما لـ«علّة» في قانون العدالة الانتقالة ذاته .هذا الأمر تمّ التنبيه إليه عند النظر في مشروع قانون العدالة الانتقالية و بعد صدوره ، ولكن كان الجميع منهمكين في الشأن السياسي والإنتخابي ، بإستثناء الّذين كانوا يفكّرون في الأطر الموازية الرامية لإضعاف المؤسسات المركزية للدولة و بالخصوص نواب حزب النهضة و حزب المؤتمر الّذين أصرّوا على تمرير مشروع قانون العدالة الانتقالية بصياغته الفضفاضة و بأحكامه المُربكة لمسار القضاء والعدالة عموما.
على أعمدة «المغرب» نبهنا من مخاطر اتساع صلاحيات الهيئة المحدثة و من التنازع مع مؤسسات أخرى ،في مقال بعنوان «عدالة ...و ما بعدها عدالة (? !)» و أكدنا على أن « ما أهدر من مال و من وقت كان بالإمكان توظيفه لإصلاح منظومة العدالة القائمة و إدماج مبادئ العدالة الإنتقالية ضمنها، بدل الدّخول في معمعة قد ينقلب فيها السحر على السّاحر...».
إن الإرادة المفقودة ليست في الانصياع إلى ما تطلبه هيئة الحقيقة والكرامة ،و إنّما في غياب إرادة الوقوف ضد تمرير التشريعات بتسرّع ودون تثبت ،و في عدم إصلاح الأخطاء و إجراء التعديلات اللاّزمة في الإبّان ،و هذا تهاون ما زلنا نلمسه في أكثر من مجال ، إذ لا تعالج الأمور في الحين ، و لا ترتفع الأصوات إلاّ بعد فوات الأوان ، و هذه هي مسؤولية الدولة بمختلف مؤسساتها .
لم تفكّر هيئة الحقيقة والكرامة في النصاب القانوني و في أحكام الدستور الّتي أسندت مهام رقابية للبرلمان و في المبادئ العامّة الّتي لا تخوّل لأي هيكل بأن يكون «سيد نفسه»، يقيّمُ أداءه كما يشاء و ينفرد بسلطة تقديرية ذاتية لمهامه . فالفصل 18 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية نص على أن مدة عمل الهيئة أربع سنوات بداية من تاريخ تسمية أعضاء الهيئة قابلة للتمديد مرة واحدة لمدة سنة بقرار معلل من الهيئة يرفع إلى المجلس المكلف بالتشريع قبل ثلاثة أشهر من نهاية مدة عملها. و قد أوّلت الهيئة عبارة «يرفع» بأنها مجرّد عمل مادي ، يكتفي فيه مجلس النواب بتلقي القرار ،دون أن تكون له أي سلطة تقديرية لهذا القرار، لو كان الأمر كذلك لما نص المشرع على ضرورة تعليل القرار ،بل حتى على رفعه إلى مجلس النواب ،و الحال أن هذا المجلس فاعل في كل المؤسسات الّتي تخضع إلى رأي النواب و منها إنتخاب أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة نفسها .
كما أن موقف الهيئة من أرشفة أعمال الهيئة، ينمّ عن سوء تقدير لهذه العملية التي لا تمس من مصلحة المعطيات الشخصية لمن تم سماعهم، بل تمسّ مصلحة الدولة وأسرارها ، وفضلا عن مخالفتها أحكام القانون الأساسي للعدالة الإنتقالية الّذي تحسّب للأمر و خص على الأرشيف الوطني بصفة أصلية بمهمة الحفظ .
إن التمديد الّذي سعت إليه هيئة الحقيقة والكرامة ، ينمّ عن رغبة جامحة في البقاء وساعدها على إتخاذ موقفها عدم أخذ معالجة مختلف الهنات في الإبّان و هو ما يرشّح لدخول مرحلة شدّ لن تجني منه البلاد غير مزيد من إهدار الوقت والمال .