في تحديات تصنيف تونس: «وين تحُطْ نفسك تصيبها» !!

عندما تسجل تونس نجاحا رياضيا في أي مجال من المجالات تعيش شوارعها مظاهر الفرح وتنقل الفضائيات بهجتها وتعبير اعتزاز المواطنين و نخوتهم.

. فذلك تتويج لمجهود وتدليل على بذل و عطاء و على إبراز نتيجة سعي كي تكون في مربع التتويج...

كان الأمر كذلك في جانفي 2011 بتحوّل سياسي حمل حلم «ثورة» اجتماعية زاهرة، ثم نجاح حوار مثمر. لذلك من البديهي أن يكون الأمر كذلك في مجالات الاقتصاد والسياسية وعموما وبصفة خاصّة في مجال تقييم مكافحة الفساد والرشوة والإرهاب وتبييض الأموال ، فيكون النجاح في مقاومة الإرهاب ، محل تنويه و محل تشجيع لمزيد تحصين جدار صد هذه الظاهرة ، كما يكون التعثر في مقاومة بقية الظواهر محل انشغال ، للتونسيين و للدول و الدوائر المالية المتعاملة مع تونس على حد سواء.

لا شك أن الدوائر المالية تحكمها معادلات وهي تسبّق الأهم على المهم في مختلف أجنداتها، و تراعي مصالح الجهات النافذة وتقرأ لها كل حساب ، لذلك تغض الطرف عن الدول الّتي لديها فيها مصالح إستراتيجية على بقية الدول الموجودة في الحلقات الضعيفة مثل تونس .
لكن هذا لا يخفي النواقص و الأخطاء في معالجة الأوضاع في تونس و الّتي يقع الإقرار بها يوميا و يقع تعدادها على مختلف المنابر ، مع دعوات صريحة للحكومة ، كي تعمل على تجاوزها . فنتحدّث عن التهريب و التجارة الموازية و إفلاتها من الضرائب ونؤكد ضمن تقارير أجهزة تونس الرقابية عن نسبة تتجاوز الخمسين بالمائة ، عن خروج الأنشطة الموازية من الحركة الاقتصادية الرسمية .

كما يتحدّث المحلّلون التونسيون عن ظاهرة الفساد المالي المتفاقم ، و يؤكدون أن الظاهرة مستفحلة ، و الجميع على بيّنة من أن وراء هذا الفساد تعشّش آفات التهريب وغسل الأموال ومنها يتمعش الإرهاب ، الّذي لا ينتعش إلاّ بتوفر ضخ الموارد المالية.
كما تنقل المنابر و التقارير يوميا ما أمكن كشفه ،من عجز في هذا المجال و ذاك ،و يطلع القاصي والداني على إقالة هذا و إزاحة ذاك، وتغيير هذه الحكومة بتلك ،و الصراعات داخل الأحزاب ،و عن المحسوبية و غياب الشفافية ، وتصنيف أحزاب سياسية ناشطة في قائمة المتشددين و سماعهم ومشاهدتهم يتبجحون بذلك، و يصل بعضهم إلى رفع رايات غير رايات تونس على الملأ دون ملاحقة أو رادع رغم توفر الموانع القانونية.

يتابع الجميع الحديث عن أحزاب تتصرف في أموال طائلة ، و عن جمعيات وكيانات تحت عدّة تسميات تملك أموالا طائلة ،و تتدخل في الشأن العام و التربية والتعليم و مختلف المجالات الحيوية ، تحت يافطات جمعيات الإعانة والنهوض والتكفّل و المساعدة و الوكالات وغيرها من التسميات الّتي تتخفى وراءها تمويلات منفلتة عن الرقابة . و حتى وإن تمّ اتخاذ إجراء ضد بعض الجمعيات أو منع نشاط البعض الآخر، فإن ذلك يبقى طي الكتمان و خارج الإعلام ، ممّا يعطي الانطباع بأن الدولة متسامحة معها وتتصرف كأنها غير معنية بما يحدث.

كل هذه الصور يتابعها التونسيون يوميا، وتوضع ضمن معايير التقييم باعتبارها منخرطة في اتفاقيات دولية .و لكن يسهل للبعض تحميل المسؤولية للآخر ، إذا اتخذ موقفا أو قيّم مجهودا أو صنّف تونس في هذا الباب أو ذاك ، و يروّجون أن كل تصنيف سلبي سيؤثر على فرص الاستثمار وسيشوّه صورة تونس ، و هو أمر لا يرضاه ولا يحبّذه أي تونسي.
و لكن هل أن التصنيفات المختلفة والقائمات الّتي توضع فيها تونس هي الوحيدة الّتي تمنع المستثمرين المحليين والدوليين من الاستثمار في تونس ؟

للجواب عن هذا التساؤل تكفي مراجعة قائمة الشركات الّتي غادرت تونس ،و هجرة العديد من رؤوس الأموال التونسية ، و بعض أدمغتها وكفاءاتها ، و المصانع الوطنية والمنشآت الوطنية الّتي توقف نشاطها ،و التعطيل المتكرّر للعمل في أكثر من مجال و أكثر من موقع ، والصورة الّتي تنقل عن الإدارة التونسية رغم الكفاءة الّتي عرفت بها ، و صورة القضاء ومؤسساته .

إن الحقيقة الّتي يريد العديد من التونسيين تحويل النظر عنها ، تتطلب قراءة واقعية لما أصبحت عليه تونس و للصورة الّتي تسوّقها لنفسها فعلا في الدّاخل والخارج . فالشأن السياسي الّذي سيطر على النخبة و غيّب الروح الوطنية لدى البعض ، لم يشوّه الصورة فقط ، بل ساهم في تردي الأوضاع الاقتصادية و أدخل البلاد في حلقة مفرغة تزداد صعوبات الخروج منها يوما بعد يوم .

لقد أعطت تونس مثالا على القدرة في الخروج من مخاطر التناحر الدموي ، و لكن وقفت عند عقبة الإقلاع الاقتصادي بسبب ضيق الآفاق السياسية لنخبها في تحفيز مختلف فئات الشعب من أجل البذل و العطاء بروح وطنية عالية.
إن الرد على أي تصنيف أو الادراج في أي قائمة لا يكون في تقديم التبريرات في الدّاخل أو الخارج ،و لا باللّوم أو بالتنصل من المسؤولية ، و إنمّا بالعمل الجاد على تجاوز العوائق الفعلية للإنماء و التصدي لأسباب زعزعة الثقة في قدرات تونس و في صحة تمشيها لتجاوز الصعوبات الإقتصادية الّتي تعيشها .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115