و الهواجس الأمنية بامتياز بالنسبة لفرنسا و فرصة الدعاية الدبلوماسية و السياسية لتونس .
ففرنسا الّتي خسرت في السنوات الأخيرة العديد من مواقعها و تأثيرها في الوضع الدولي بسبب انسياقها وراء خيارات أمريكية غير مربحة ، مّما جعلها تجني عداوات مجانية تجاه العديد من الدول و تترك المجال في الفضاء الأوربي لشقيقتها ألمانيا ، و لأمريكا في الشرق الأوسط،. كما أنها تعيش صعوبات إقتصادية في الفضاء الأوربي وفي فضائها الخاص بسبب تفاقم البطالة و ما يخلقه من توتر اجتماعي . فضلا على هذا تخيم المخاطر الإرهابية على أغلب الدول الأوربية ، لذلك تسعى فرنسا إلى دعم المجهود الدولي للتحسب من هذا المخاطر . كل هذا جعل الرئيس الشاب ماكرون يتحرّك على عدّة واجهات لتحسين أوضاع بلاده،و لإعادة إشعاعها، ومن حلقاتها إعادة الإعتبار للدبلوماسية الفرنسية على المستويين السياسي و الإقتصادي ،تنفيذا لما وعد به ناخبيه.
ومن الحلقات الهامة لإعادة الاعتبار لهذه الدبلوماسية فضاء شمال إفريقيا و المغرب العربي و الّتي تشكل فيها تونس حلقة إستراتيجية لانفتاحها على مختلف الفضاءات الحيوية . تونس ذات الموقع الإستراتيجي أمنيا و إقتصاديا و الّتي يمكن أن تكون حلقة تواصل شمال جنوب لو تمّ تنشيطها بالكيفية الّتي كانت عليها الدبلوماسية التونسية في الستينات والسبعينات .
لذلك سعى ماكرون إلى إبراز «عقدة الذنب» تجاه ليبيا ، وأواصر «الأخوة» تجاه تونس ، ليعلن نواياه في التكفير عن ذنبه للعمل على إيجاد حل في ليبيا باجراء انتخابات ديمقراطية فيها ، و بدعم الديمقراطية الفتية في تونس لإنجاح تجربتها كمثال يحتذى في الدول العربية.
و في المقابل وجدت تونس في إعلان النوايا الفرنسية ، فرصة للتسويق للصورة الّتي يمكن أن تساعدها على إسترجاع ثقة الفرنسيين في الإستثمار في تونس ،و بيان سلامة مناخها و أوضاعها كوجهة آمنة للسياحة ، و كذلك للتسويق لهذه الصورة في بقية الدول الأوربية. و قد كانت صورة تجوال الرئيس الفرنسي في الأسواق التونسية و تخاطبه مباشرة في الشارع التونسي مع المواطنين ، رسالة للطمأنة ، على سلامة الأوضاع في تونس ،و للبرهنة للفرنسيين على الإمكانيات المتوفّرة لهم في تونس بتوفر إرادة دولتهم . كما أعطت هذه الزيارة فكرة لأبناء تونس في المهجر عن المناخ الاجتماعي في تونس يبدّد نزعة التشاؤم الّتي تسرّبت إليهم في السنوات الأخيرة و ربّما يعيد لهم شيئا من النخوة والإعتزاز .
بقطع النظر عن النتائج الملموسة الّتي تحقّقت من زيارة ماكرون لتونس ، فإن المهم هو ستخلاص الدروس من وقع الدبلوماسية النشيطة و المحفّزة ، والوعي بالدور الّذي يمكن أن تلعبه تونس في ظل هذه الحركية الّتي تريد أن تحدثها فرنسا في المنطقة .
ولو أن تونس لا تحتاج إلى وساطة ، كي تنتعش علاقات الجوار في الفضاء المغاربي، فإن ديناميكية الدبلوماسية الفرنسية الّتي يسعى ماكرون لإحيائها على أسس جديدة ، يمكن أن تكون حافزا لتونس و للدول المغاربية ، على الوقوف على الإمكانيات المتوفرة لديها لتنشيط التعامل فيما بينها و للتعاون في اتجاه البحث عن إمكانيات التكامل و إعداد فرص الاندماج . كما يمكن أن يكون ذلك حافزا للحكومة التونسية ، الّتي عليها أن تؤمن بقدراتها ، للتفكير بكل جدية في دبلوماسيتها الإقتصادية تجاه الدول الإفريقية ، مع الإسراع في تحركّها لتنشيط علاقاتها مع الفضاء الإفريقي الّذي يمكن أن يوفر إمكانيات كبيرة للتعاون و التبادل الإقتصادي في مختلف المجالات .
لقد سبق أن أكدنا على صفحات «المغرب» أن تونس خير فضاء للحوار الليبي – الليبي ، لتجاوز الأزمة الليبية ، و أن أمن ليبيا من أمن تونس ،و أن التعاون الأمني التونسي الجزائري تفرضه الحاجة المشتركة إلى الأمن والإستقرار، وأن تاريخ النضال المشترك و عوامل الجغرافيا و أواصر التقارب و الأهداف المشتركة في النمو والتقدّم الاجتماعي ، كلها عناصر ، تشجّع على مزيد دعم المجهود لمجابهة الصعوبات من أجل تحقيق المصالح المشتركة .
إن خدمة المصالح التونسية المشتركة مع فرنسا ، أمر يحتاج دوما إلى تنشيط مختلف المجالات ، على أساس علاقات الإحترام المتبادل، و أن حرص فرنسا على إستعادة دورها و مكانتها في دول شمال إفريقيا ، يجب أن يكون حافزا لدول المنطقة على تقدير أهمية دورها ومكانتها في المنظومة الإقتصادية في حوض البحر الأبيض المتوسّط ليكون التعاون و التنسيق فيما بينها، عاملا على التحاور البناء لرعاية مصالح كل الأطراف ، لغاية خلق التوازن المنشود.