«نخب» الإرهابيين تحت حماية الأمريكيين

يتضح من خلال التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الروسي Sergueï Lavrov أنّ الخلاف على أشده بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في ما يتعلّق بمصير المنتمين إلى تنظيم «داعش» الإرهابي والتابعين والعالقين في المناطق التي تغيرت هوية المسيطرين عليها في غضون هذا الأسبوع...إنّها تركة معقدة والكل يقدر مصلحته بشكل من الأشكال. ولعلّ

الملفت للانتباه في البيانات والتصريحات الصادرة توجيه روسيا انتقادات واضحة للولايات المتحدة الأمريكية باعتبار أنها قدمت الحماية لعدد من المشاركين في العمليات الإرهابية التي دارت في سوريا، وسهلت خروجهم بطريقة آمنة، وهي ليست المرة الأولى التي تتصرف فيها أمريكا بهذه الطريقة فقد ضمنت من قبل حماية عدد من الإرهابيين عند السيطرة على الموصل مع أنّها كانت تزعم أن تدخلها في الأراضي السورية منذ 2014 هو للقضاء على إرهابيي «داعش». وبالإضافة إلى الموقف الروسي عبرت تركيا هي الأخرى، عن قلقلها ومخاوفها مما سيترتب عن إدارة ملف بمثل هذه الخطورة، من نتائج تهدد الأمن لا في سوريا و تركيا فحسب بل في كل المنطقة. ويتفهم هذا الموقف التركي لاسيما وأن قافلة الإرهابيين شوهدت على مقربة من الحدود التركية معززة بالسلاح الأمر الذي دفع السلطة التركية إلى اتخاذ تدابير عاجلة للبحث عن الإرهابيين المتسللين إلى أراضيها توقيا لخطر قادم.

والمهم في تقديرنا هو طريقة تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع «الإرهابيين» إذ أنّها أخضعت هؤلاء لتراتبية هرمية تكرس مبدأ التمييز بين الغث والسمين.فحدث بذلك الفرز بين الفئات التي يمكن الاستغناء عنها والتضحية بها إذ لا حاجة إليها، والفئات التي تميزت بالخبرة والقدرة على ابتكار الحلول وإدارة المعارك والتي يمكن أن تستثمر في القادم من الأيام.وعلى هذا الأساس كان من دخل بيت الطاعة الأمريكية محميا ومحظيا. ويكمن التمييز الثاني في الفرز على أساس الجنسيات: السوريون والعراقيون الذين يلقبون بالإرهابيين في مقابل الأجانب الذين تطلق عليهم عبارة «المقاتلون الأجانب Foreing Fighters».

ولئن ادعى بعض المسؤولين أن النية كانت تتجه لإقصاء هؤلاء من عملية الخروج الآمن من الرقة إلا أن الشهادات تثبت وجود عدد من المقاتلين الأجانب من فرنسا ومصر وباكستان واليمن والصين والسعودية.وبالنظر إلى هوية الإرهابيين الأجانب أو «النخبة» من الإرهابيين التي كشف عنها تقرير البي بي سي نتبين أنّ عددا من التونسيين هم في زمرة الخبرات التي أفادت من الاتفاق السري الذي سهل خروج هذه الكوادر يوم 12 أكتوبر مصحوبة بعائلاتها ومدججة بأطنان من الغذاء والأسلحة على مرأى التحالف الدولي وبتواطؤ واضح إذ كانت طائرات الدرون تراقب عملية الخروج drones.

ويقدر عدد المحميين ب4000 شخص من رجال ونساء وأطفال.ولعل الملفت للانتباه حسب شهادات سائقي الشاحنات التي رحلت المحميين هي طريقة تعامل الإرهابيين معهم فقد تمادوا في اهانة السائقين وممارسة العنف اللفظي تجاههم وكان أغلب من كان في هذه القوافل من الرجال والنساء يهدد بالعودة وبالثأر والتشفي ممن تسبب في ترحيلهم وهجرتهم وإخراجهم من ديارهم ومن عاصمة الخلافة. وقد عبر عدد من الأجانب عن رغبتهم في الرجوع إلى بلدانهم والاستمرار في تنفيذ الأوامر حتى تعود الخلافة. وعلى هذا الأساس يتفهم الموقف التركي الذي اعتبر أن هؤلاء المرحلين وفق صفقة سياسية سينشرون الرعب في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلدان وقريبا سيرتد السحر على الساحر... وبالرغم من إصرار التحالف الدولي على أنّ الاتفاق المبرم كان لحماية العالقين وبخلفية إنسانية فإنّ الصورة تجلّت بعد تقرير البي بي سي والصور التي نشرتها روسيا... إنّها عملية تغيير لقواعد اللعبة.

جماع القول :تقاد الحرب على الإرهاب وداعش بخلفيات متعددة تراعي مصالح الدول ولا ضير إن انفضح الوجه القبيح وفقدت الخطابات مصداقيتها... وفي المقابل يتحمل المدنيون أخطاء السياسيين الذين يضعون العسكرة والغنيمة على رأس أولوياتهم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115