ويمكن أن نقول بأن كل تونس السياسية والاقتصادية والمالية كانت ترتقب مؤشرات النمو للثلاثي الثالث بفارغ الصبر بعد أن شهدت البلاد رقما متواضعا للغاية في الثلاثي الثاني. والسؤال الذي كان على كل الشفاه : هل ستتمكن تونس من تحقيق نسبة نمو بـ%2.3 المقدرة على كامل السنة أم أنها ستكون ،مرة أخرى،دون توقعاتها الأصلية.
وفي الحقيقة لم تكن نسبة النمو المعلنة يوم أمس مفاجئة ولكنها لم تكن استثنائية أيضا،فـ%2.1 بالانزلاق السنوي (اي مقارنة الثلاثي الثالث لـ2017 بالثلاثي الثالث لـ2016) و%0.7 بالانزلاق الثلاثي (أي مقارنة الثلاثي الثالث لـ2017 بسابقه من نفس السنة) تصعد بنا لأول مرة فوق عتبة %2 في هذه السنة إذ بعد المراجعة أصبحت نسبة النمو في الثلاثي الأول بـ%1.9 (بعد أن قدرت بـ%2) والثلاثي الثاني بـ%1.7 (%1.8 في التقديرات الأولية) ونتيجة كل هذا فإن معدل نمونا خلال التسعة أشهر الأولى في سنة 2017 هو في حدود %1.9 فقط وهذا يعني انه بعد ان استحال تحقيق معدل سنوي بـ%2.5 لكامل سنة 2017 وهو الفرضية التي قام عليها قانون المالية لهذه السنة يبدو أيضا أن %2.3 كمعدل سنوي أصبح من باب شبه المستحيل إذ يفترض كذلك قفزة نوعية في الثلاثي الرابع في حدود %3.5 وهو أمر مستبعد للغاية..
الفرضية الأقرب للواقع هي تحقيق نسبة نمو إجمالية لكامل السنة بحوالي %2 والتي تفترض انجاز %2.3 في الثلاثي الرابع .ولكن رغم استمرار تواضع نسبة النمو إلا أنها ايجابية لأنها لم ترتكز على الخدمات غير المسوقة أي الاستهلاك الناجم عن ارتفاع كتلة الأجور والتي سجلت بالمناسبة رقما منخفضا للغاية (%0.2)
تؤكد أرقام المعهد الوطني للإحصاء أن رافعات النمو لسنة 2017 هي الخدمات المسوقة (%4.0) وخاصة في السياحة والنقل والقطاع المالي والفلاحة والصيد البحري في المركز بمعدل سنوي بـ%2.7 وبمعدل للثلاثي الثالث اقل من المتوقع: %2.0 .
يأتينا الخبر السار من الصناعات المعملية التي حققت %2.8 وكان التطور في جل القطاعات وخاصة في الصناعات الكيميائية (%5.1) والصناعات الفلاحية والغذائية (%3.4) ..
وتبقى المعضلة الأساسية في تونس هي قطاع الصناعات غير المعملية (النفط والغاز والطاقة والمناجم) والذي يسجل مرة أخرى انخفاضا بـ%3.3 فرغم التطور الملحوظ في قطاع المناجم بـ%39.6 فإن تردّي استخراج النفط والغاز الطبيعي بـ%21.6 جعل المعدل العام سلبيا.
وكنتيجة طبيعية لهذا النمو المتواضع لم تتغير نسبة البطالة فبقيت في مستوى عال بـ%15.3 كمعدل وطني ولكن ارتفعت نسبة البطالة بصفة طفيفة في صفوف النساء (%22.8 مقابل %22.6 للثلاثي الثاني ) وأصبح العدد الإجمالي للعاطلين عن العمل في حدود 628.600 مواطن..
أما عدد العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا فقد ارتفع من 250600 في الثلاثي الثاني إلى 270600في الثلاثي الثالث ويعود ذلك بالخصوص إلى أن الصائفة تطابق فترة تخرج أصحاب الشهادات العليا الجدد..فنحن أمام ارتفاع موسمي متوقع رغم بقاء نسبة البطالة في هذه الفئة مرتفعة للغاية (%30.6)
في الملخص يمكن أن نقول بان الاقتصاد الوطني مازال في مرحلة ما بين بين فلا هو مطلقا في النمو الهش ولا هو غادر مرحلة الخطر،ولا يمكننا أن نتحدث عن تعاف إلا عندما نتجاوز نسبة 4 % وبصفة قارة اما ما دمنا في حدود %2 فنحن في نمو ضعيف لا يكفي لخلق ما يكفي من مواطن الشغل ومن تحسن ملموس للظروف المعيشية للتونسيين..
ويبقى الايجابي على كل حال هو أن نمونا أصبح مستندا إلى القطاعات الإنتاجية (الخدمات والصناعة والفلاحة) مع تراجع حاد في الطاقة خاصة لا يمكن لأحد أن يفهم دواعيه ومبرراته..
المرجح أن ننهي هذه السنة في حدود نسبة نمو بـ%2 كما أسلفنا وهي نسبة دون التوقعات الأولية (%2.5) والتحيينات التي تلتها (%2.3) وقد يكون من المفيد رمزيا ان نتجاوز عتبة %2 لهذه السنة بثلاثي رابع أفضل من سابقيه عسانا نحقق بداية الإقلاع في سنة 2018..
إقلاع يتمناه الجميع ولكن أفقه لم تتضح بعد..