الحملة ضدّ التحرش الجنسي أنا أيضا Me Too

ترتفع أصوات النساء المندّدات بالسلوك الذي يستهدف الحطّ من كرامتهن والاعتداء على حقّهن في العيش الكريم. وتتنوّع من سنة إلى أخرى، أساليب الاحتجاج والضغط والتنديد المعبّرة عن وعي جندريّ واضح لا تمتلكه الفتيات الشابات اللواتي تربين على قيم المواطنة وثقافة حقوق الإنسان ، بل هو وعي مشاع بين أغلب النساء بقطع النظر عن السنّ، والمستوى

التعليمي والانتماء الديني والعرقي وغيرها من التصنيفات. لقد كُسر حاجز الصمت وطفح الكيل، وما عاد بالإمكان كتم مشاعر الذلّ والهوان والخوف، ولا الخضوع للابتزاز، تارة باسم الحياء والخجل، وطورا باسم العار والعيب ...وقد كانت الناشطات سبّاقات إلى إطلاق حملات التصدي للتحرش.
وفي إطار تمكين النساء من التعبير عن ذواتهن انطلقت حملة المصريات # أول - محاولة - تحرش - كان - عمري وتلتها حملة عالمية ضدّ التحرّش الجنسيّ بدأت بفضح مشاهير صنّاع السينما والتنديد بما يجري في الكواليس من ممارسات تختزل الممثلات في أجساد للاستمتاع لتصل إلى البلدان المغاربية على وجه الخصوص التي شهدت خلال هذا الأسبوع نشر تغريدات على تويتر، وشهادات متنوعة، وتداولا لـ«هاشتاغ» أنا أيضا'، #MeToo يفضح النتائج المترتبة عن التحرشّ، إن كان على المستوى النفسيّ أو الاجتماعيّ أو الأسريّ...

لقد تعدّدت الشهادات التي تكشف عن أنماط من السلوك في الفضاء العموميّ الذي يتحوّل عند البعض، إلى ميدان للقنص أو التأديب الجماعي مثلما هو الحال بالنسبة إلى «حفلات التحرّش الجماعي في الأعياد» في مصر المحروسة. ولكن ما يلفت الانتباه في الحملة التونسية هو انتقالها من الفضاء العمومي، وما يجري في مختلف وسائل النقل من ممارسات يندى لها الجبين إلى الفضاء التعليمي، وبالخصوص الجامعة. فقد تحرّرت مجموعة من الفتيات المنتميات إلى إحدى كليات القانون من عقدة الخوف لتعترفن بتعرضّهن للتحرّش. وليس المتحرّش في قضية الحال، رجلا مجهولا أو من الغوغاء والدهماء والرعاع بل هو الأستاذ الجامعي صاحب السلطة المعرفيّة والحصانة العلمية. وعندما يتحوّل التحرش إلى ربوع الجامعات والمنتديات الفكرية والمؤتمرات العلمية وغيرها من الأفضية التي تنتج المعرفة فتلك قضيّة أخرى...

يكمن الإشكال الأوّل في عسر التبليغ عن الجامعيّ المتحرّش في وجود تضامن ذكوري يمرّ في أغلب الحالات عن طريق النقابة. أمّا الإشكال الثاني فيتمثّل في أنّ إدارة المؤسسة غالبا ما تتمسّك بإخفاء الأمر بدعوى الحفاظ عن هيبة المؤسسة وكرامة الأساتذة ولا عزاء للنساء إذ لا هيبة لهن ولا كرامة...ويتصل الإشكال الثالث بخوف الضحية من النتائج المترتبة عن التبليغ لاسيما إذا كانت في بداية المسار العلميّ فحينها تصبح التهديدات فعليّة لأنّها ستعاقب وتوصم اجتماعيّا. وعندما يتعلّق التحرّش بصاحب المنزلة الرفيعة يغدو خطاب الضحية فاقدا للمصداقية فتنطلق التأويلات... ولا غرو في ذلك مادامت ترسانة التمثلات الثقافية في خدمة الرجل. أليست المرأة «زرريعة ابليس» وناقصة عقل ودين، وشيطان وحيّة أنزلت آدم من جنّته ... فتكون النتيجة تأثيم الضحية وتحطيمها نفسيا وعلميا ومعاقبتها لأنّ «العين ما تعلاش على الحاجب».

حملة «أنا أيضا» دفعت فئة من رجال «الأفرنجة» إلى تقديم الاعتذارات والاعترافات فشاركن في دعم الضحايا بـ«هاشتاغ»:It was me كنت أنا المتحرّش. ولكن أين نحن من هذا ؟ هل بإمكان رجال في موقع السلطة السياسية والأكاديمية والثقافية والدينية والأسرية وفي مواطن صنع القرار أن ينشّطوا ذاكرتهم، وأن يعترفوا أنّهم كانوا ذات يوم من المتحرّشين؟
ومادام وعي أغلبهم لا يرتقي إلى مثل هذه الدرجة من الشجاعة والقدرة على تحمّل المسؤولية فلا بأس أن أمارس طقوس البوح...

لقد عشت التحرّش في ربوع الجامعة طالبة بالغمز واللمس، و بالإيحاء الجنسي في قاعة الدرس... وباللفظ... ومن المفارقات العجيبة أنّني عدت إلى جامعتي أستاذة فوجدت بعض زملائي (على قلّتهم)، يتحرّشون بي وببعض طالباتي اللواتي يستنجدن بي ...وتلك حكاية أخرى... وحين لا يعترف الزميل بالمسار المعرفي الذي بلغته زميلته ويصرّ على اختزال كينونتها في جسد يغري...يكون الوجع أكبر .فما المبرّرات التي تقدّم في حالة الجامعي الذي درس وتدبّر وحلّل وعرض معارفه في المحافل العلمية؟

ولكنّي اخترت أن لا أسقط في شراك سردية الضحية ها أنا أكسر الحاجز وأبلّغ ... إنّ التحرّش مرتبط ببناء الهوية الجندرية والتنشئة الاجتماعية والصور النمطية والتمثلات والمنظومة القيمية والتعليم ووسائل الإعلام والموروث الثقافي والسلوك ...إنّه ظاهرة مركّبة تستدعي التأمل والتحديق بملء العين..الخجل الحقيقي أن نستمرّ في الإنكار.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115