فعلتها «المملكة» وسمحت للسعوديات بقيادة السيارات

أثار قرار رئيس مجلس الوزراء سلمان بن عبد العزيز آل سعود باتخاذ التدابير اللازمة للسماح للنساء بقيادة السيارات في المملكة، ردود فعل مختلفة منها: المرحّب بهذه الخطوة الجريئة التي كللت جهود الناشطات الحقوقيات بالنجاح، ومنها الناعي لسيادة المملكة: وهي رمز الأمة، التي فرطت في الشريعة وخضعت لإرادة «الغرب» المهيمن على «نسائنا». ومن المتوقّع

أن ينقسم المجتمع السعودي حول هذه المسألة لاسيما وأنّ قيادة النساء كانت موضوعا خلافيا بين أنصار الفكر المتشدّد من جهة، والمنضوين تحت لواء التيارات الليبرالية والعلمانية... من جهة أخرى. وقد تحوّلت قيادة النساء على امتداد الزمن، إلى قضية فقهية شغلت «العلماء» ودفعتهم إلى البحث عن مجموعة من التبريرات ذات الصلة بالمرجعية الدينية حينا، وبالسياق الاجتماعي حينا آخر بل ذهب بعضهم إلى تقديم تفسيرات «علميّة» تزعم أنّ القيادة تؤثر في بويضات المرأة فتعطلّ عملية الإنجاب.

لكنّ الاحتفاء بهذا الخبر و«بالقيادة الرشيدة» والإرادة السياسية وبأنّه «خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح». لا يجب أن ينسينا تاريخ النضال النسوي. فتغيير مكانة السعوديات لم يكن مشغلا مهمّا أو أولوية بالنسبة إلى القيادات السياسية وإنّما كان مطلبا نسائيا تقدّمت به كوكبة من النساء نذكر على سبيل الإشارة وجيهة الحويدر وابتهال المبارك وهما من الناشطات اللواتي رفعن عريضة للملك 2009 مطالبات بالسماح للنساء بقيادة السيارة. وهذا النضال الذي ساهم في تمكين السعوديات من «امتلاك الصوت» واتخاذ موضوع «القيادة» مطيّة للمطالبة بتغييرات تضمن لهن مزيدا من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كانت له نتائج على حياة السعوديات. فكم من ناشطة قادت السيارة ثمّ اعتقلت وطلب من وليّ أمرها تأديبها وجرّها قسرا إلى «بيت الطاعة» ،وكم من ناشطة عوقبت بمنعها من الخروج إلى الفضاء العام، وكم من ناشطة طلّقت بسبب انضمامها إلى حركة «العاصيات» اللواتي قدن السيارات، وكم من جامعية وجدت نفسها مطرودة من التدريس حتى لا تحدث العدوى...

ثمّ إنّ هذا القرار، على أهميّته لا يمكن أن يجعلنا نتجاهل الشروط التي تسيّجه ضمن حدود «الضوابط الشرعية اللازمة والتقيد بها» لسد الذرائع وهكذا نجد المواد والمناشير التي تردف بـ«لكن» التي تحدّ من إمكانيات التنفيذ ومن مساحة الأمل والقدرة على الحلم. وهي عبارات تقدّم الضمانات للعلماء المتوجسين من قيادة النساء ومن تخلصهن من المحرم/الرقيب. فالدولة تلتزم بأنّها ستكون دائما «حارسة القيم الشرعية» وستجعل المحافظة عليها ورعايتها في قائمة أولوياتها ، ولن تتوانى عن اتخاذ كلّ ما من شأنه الحفاظ على أمن المجتمع وسلامته.

ولا يمكن بأي حال أن نتغاضى عن الترتيبات المصاحبة لهذا القرار. فالمرأة المسموح لها بالقيادة هي ابنة الثلاثين فما فوق،وهي مطالبة باستئذان ولي الأمر، ويطلب من السائقة أن تكون محتشمة في لبسها ولا تضع أي مواد للزينة بتاتاَ ، ويسمح لها بالقيادة بلا محرم داخل المدينة فقط وتحدد أوقات السماح بالقيادة من الساعة السابعة صباحا وحتى الساعة الثامنة ليلاً أيام السبت إلى الأربعاء, وفي يومي الخميس والجمعة من الساعة الثانية عشرة بعد الظهر إلى الساعة الثامنة مساء إلى غير ذلك من الإجراءات التي تضمن سلامة النساء وفي ذات الوقت تحافظ على البنية التمييزية والتراتبية الهرمية. ومعنى هذا أنّ القيادة قرار يخضع للسلطة الذكورية، ويضمن امتيازات الرجال وسلطتهم على نسائهم ويضمن لهم دور الرقابة.

وفي اعتقادنا سيطرح قرار السماح للنساء بالقيادة مجموعة من الإشكاليات: منها ما يتصل بطبيعة الخطاب الديني المتشدد ومنطق الاستدلال الذي كان يشكل جوهره. فهل انتهى أمر كل الفتاوى التي دعّمت موقف المنع ؟ وهل أضحت المبررات الشرعيّة فاقدة الصلاحية؟ ومن الإشكاليات ما يتصل بتوظيف النصوص الدينية تارة للمنع وطورا للإباحة. وهو أمر يتجاوز قضيّة الحال إذ أنه يفضح المأزق الذي يمرّ به «حرّاس الشريعة» ومن المسائل التي تستتبع قرار السماح للنساء بالقيادة ما له وشائج بحضور الجسد الأنثوي في الفضاء العمومي. فهل تتعامل المنقبة مع شرطي المرور وفق الضوابط الشرعية فتحافظ على قواعد الستر أم أنّها مطالبة بالكشف عن الوجه للتحقق من هويتها وأوراق السيارة ورخصة القيادة...؟ وكيف يتسنى التثبت من تبرّج المرأة والحال أنّها منتقبة؟

تقدّم القيادات السياسية خطابا جديدا ينزّل قيادة النساء للسيارات ضمن التمكين الاقتصادي والانفتاح والتغيير الاجتماعي وهبوب رياح «التشبيب» وهو أمر يؤكّد أنّ قضايا النساء في جوهر العمل السياسي ونمط العلاقات الدولية السائدة والسياق التاريخي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115