اليوم تضافرت كل المعطيات لتأجيل الانتخابات البلدية مادام الشرط الرئاسي لإصدار أمر دعوة الناخبين (سد شغور هيئة الانتخابات) لن يتحقق في أحسن الأحوال قبل يوم 20 سبتمبر الجاري وبما أن هذه الدعوة يجب أن تصدر قبل ثلاثة أشهر من موعد يوم الاقتراع فلم يعد إذن بالإمكان الحديث عن انتخابات بلدية ليوم 17 ديسمبر 2017.
ولكن هل يكون التأجيل بأسابيع قليلة أم ببعض الأشهر أم إلى أجل غير مسمى ؟ !..
التأجيل بأسبوعين أو ثلاثة يسمح لهيئة الانتخابات بالمحافظة على روزنامتها مع تعديلات بسيطة وهو يفرض على الأحزاب الممثلة في البرلمان التسريع في سد شغورات الهيئة ..
أما التأجيل إلى ربيع 2018 (مارس أو افريل) فهو سيجبرها على فتح باب التسجيل من جديد حتى لا يحرم الشباب الذين سيبلغون سنّ 18 سنة قبل يوم الاقتراع من التصويت ..ولكن ما الذي يضمن أن يتم توفير الشروط التي غابت اليوم بعد شهرين أو ثلاثة ؟ أي ما الضامن لترميم هيئة الانتخابات قبل موفى هذه السنة على مستوى سد الشغورين أوّلا وعلى مستوى التجديد الثلثي ثانيا ثم ما الضامن للمصادقة على مجلة السلطة المحلية كذلك ؟..بإمكان كل الكتل الممثلة في البرلمان الالتزام بكل هذا ولكن قد يغيب التوافق المطلوب ويستحيل معه ترميم الهيئة ..كما أن التأجيل قد يدفع إلى التراخي في المصادقة على مجلة السلطة المحلية وقد نجد أنفسنا في جانفي أو فيفري 2018 دون مجلة جديدة..
ولكن أن ننسى فلا ننسى أنه لدينا ثلاثة مستويات للسلطة المحلية : البلدية والجهة والإقليم وأن الأولى والثانية يتم انتخابهما بصفة مباشرة من عموم الناخبين أما الثالثة فهي انتخابات غير مباشرة يكون الناخبون فيها هم أعضاء المجالس البلدية والجهوية التابعة لإقليم معيّن..
وكان هنالك رأي بإجراء الانتخابات البلدية والجهوية متزامنة ولكن جلّ الأحزاب السياسية قد رفضت ذلك على أساس ضمني بأن تجرى الانتخابات الجهوية سنة 2018..ولكن مع تأخير موعد الانتخابات البلدية سيصبح من شبه المؤكد العودة إلى التزامن هذا إذا أردنا استكمال منظومة السلطة المحلية أما إن فصلنا بين الاثنين فلن تجرى الانتخابات الجهوية إلاّ سنة 2020 في أحسن الحالات مادامت سنة 2019 ستكون مخصصة للانتخابات التشريعية والرئاسية ..
وينبغي أن نستبق من اليوم الآثار السلبية لفاصل سنتين بين الانتخابات البلدية والجهوية فذلك يعني إشكالا كبيرا لانتخابات مجالس الأقاليم التي لن تكون ممثلة لقاعدتها الانتخابية مادام هنالك فاصل بسنتين على الأقل بين انتخاب المجالس البلدية لإقليم معين وانتخاب من يمثلهم في مجلس الإقليم..
إذن من الضروري أن نوظف هذا التأجيل الذي تسعى إليه عدة أحزاب لإعطاء الانسجام الأدنى للسلطة المحلية باستكمال انتخاب مستوييها الأولين في ربيع 2018 فمستواها الثالث بعد ذلك..
وهذا بالطبع يستوجب تعريف الإقليم (مجموعة من الجهات )وتقسيم البلاد وفق جملة من الأقاليم ..وهذا التقسيم لن يكون هينا لأنّه ليس عملية تقنية بل هو في جوهر السياسة التنموية للدولة..فهل سنعتمد على الجهات التقليدية : الشمال الشرقي (بنزرت وزغوان ونابل ) والشمال الغربي (باجة وجندوبة والكاف وسليانة) وتونس الكبرى (تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة) وهنا سنكون أمام أقاليم تعمق التفاوت الجهوي وتغذيه فتونس الكبرى من جهة والوسط الشرقي كذلك (سوسة المنستير والمهدية وربّما صفاقس) أمام الشمال الغربي والوسط الغربي (القيروان وسيدي بوزيد والقصرين) أم أنّنا سنعمد الى تقسيم جهوي أفقي كما اقترحه سابقا ياسين إبراهيم وحزب آفاق تونس ،ولكن هل نترك بن عروس وتونس وأريانة في نفس الإقليم ونربط
بهما باجة وجندوبة ؟ أم سنجعل من تونس وأريانة وبن عروس (وهي الولايات الثلاث الأولى تنمويا واقتصاديا ) داخل ثلاثة أقاليم مختلفة؟ ! وواضح أن هذا الاختيار الأخير مستحيل جغرافيا ..
نحن أمام معضلة جوهرية لم نبدأ بعد في ملامستها وسوف يتضح للجميع الصعوبة القصوى لتوزيع الأقاليم الموجود في الدستور ولكنه لا يتناغم مع حقيقة ميدانية واجتماعية إلا في حالات قليلة..
فالتأجيل لا يحلّ المشاكل بل يعقدها ويجعل المسار أكثر صعوبة من تسببوا في تأجيل الانتخابات البلدية لاعتبارات سياسوية سيجدون اليوم أنفسهم أمام تعقيدات لم يقرؤوا لها حسابا.
لقد أصبح تأجيل الانتخابات البلدية من تحصيل الحاصل ، إلا إذا تراجع رئيس الجمهورية على شرط ترميم الهيئة ، ولكن الالتزام الذي ستدعى إليه الأحزاب مجتمعة لا يتمثل فقط في التوافق على موعد محدد بل وكذلك في استكمال كل مسار السلطة المحلية وإلاّ كنا لمدة سنتين أو تزيد أمام نشاز مضر بالمؤسسات وبالمسار بأكمله ..
نحافظ في «المغرب» على العد التنازلي لإجراء الانتخابات البلدية المثبت بصفحتنا الأولى وبصفاتنا الداخلية إلى حين التأجيل الرسمي والقانوني لها..