ما شاهدناه يوم أمس لا نعتقد أنه سبق لنا أن شاهدناه في أحلك أيام التأسيسي أو مجلس نواب الشعب..
البداية كانت مع التأرجح حول فهم مقتضيات القوانين والإجراءات الشكلية حول المرور من النقطة الأولى في جدول أعمال هذه الدورة الاستثنائية (تسديد الشغور في هيئة الانتخابات) إلى النقطة الثانية (مشروع قانون المصالحة الإدارية) ثم ذلك المشهد الغريب المشين الذي تم فيه استعمال شتى أنواع الطرق بما فيها النشيد الوطني لمنع السير العادي للجلسة العامة..
عندما كان المناخ هادئا نسبيا،كان النقاش يدور حول نقطتين رئيسيتين :
- هل يجوز المرور من النقطة الأولى (تسديد الشغور في هيئة الانتخابات) إلى النقطة الثانية ( مشروع قانون المصالحة الإدارية ) دون استيفاء الأولى ؟ أليس من الأجدى مواصلة السعي لترميم الهيئة قبل المرور إلى قانون المصالحة !
- هل يمكن بدء مناقشة مشروع قانون المصالحة دون ورود الرأي الاستشاري الوجوبي للمجلس الأعلى للقضاء ؟ وألا يكون بدء النقاش خرقا للدستور وللقانون المنظم للمجلس الأعلى للقضاء وبالتالي موجبا للطعن في دستورية كافة الإجراءات ؟
لقد كان هذا النقاش هاما ويمكن أن نلوم رئاسة المجلس وكتل الأغلبية على عدم التفاعل الايجابي مع هذه الانتقادات الوجيهة وتجاهلها بجرة قلم والحال أن شكوكا كبيرة تحوم حول عدم دستورية الإجراءات..
لقد عبّر المعارضون عن وجهة نظرهم بكل وضوح لزملائهم في المجلس وللرأي العام الذي كان يشاهد البث المباشر للجلسة ولكن ما حصل بعد ذلك لا يمكن أن يفهم ولا أن نجد له عذرا بعد تبيّن المواقف والحال أن المعارضة تملك الطعن في دستورية الإجراءات ولكن نواب التيار الديمقراطي والحراك والجبهة الشعبية اختاروا سياسة التشويش بكل الوسائل على الجلسة العامة بما في ذلك ترديد النشيد الوطني دون أن يدرك هؤلاء بأنهم بتعطيلهم لأعمال المجلس وبحرمانهم لبقية زملائهم من التعبير عن مواقفهم في ظروف معقولة فقد اساؤوا أيما إساءة لمجلس صورته مهتزة عند عموم الرأي العام..
ونتيجة كل ذلك تمت المصادقة على مشروع قانون المصالحة الإدارية في نهاية الأمر دون نقاش تعددي ينير الرأي العام إذ كانت كل التدخلات في اتجاه واحد ودون أن يعدل ولو حرف واحد منه والحال انه كان بالإمكان تحسين جدي لبعض الفصول ولاسيما الفصل الثاني للتأكد من أن الموظفين العموميين أو أشباههم لم يحصلوا على فائدة لهم سواء كان ذلك بصفة مباشرة أو غير مباشرة وأن نحدد طرق التثبت من هذه المسألة الجوهرية حتى نتأكد من خلو المعني بالأمر من المقايضة والابتزاز والاستفادة الشخصية والعائلية ..كما كان بالإمكان تحسين جدي للفصل الثالث حول جبر الضرر للمعنيين بهذا القانون وكذلك الفصل الثامن والأخير والمتعلق بالمدة (من غرة جويلية 1955 إلى 14 جانفي 2011)
فالنتيجة كما قلنا تمت المصادقة على مشروع قانون المصالحة دون نقاش ودون تطوير في ظل ما يشبه حالة حرب أهلية باردة والتخوين المتبادل بين المناصرين لهذا القانون ومعارضيه في مشهد محزن جوهره تأجيل الانتخابات البلدية لأجل غير مسمى مادام تسديد الشغور، لو حصل، سيتم بعد الأجل الأقصى للأمر الرئاسي لدعوة الناخبين لها في موعدها الأصلي ..
وحتى قانون المصالحة الذي تمت المصادقة عليه بـ117 صوتا مع احتفاظ وحيد واعتراض تسعة نواب (المعارضون قاطعوا النقاش والتصويت معا) فسوف نرى إمكانية صموده شكلا ومضمونا أمام الطعن المنتظر في دستورية المستويين معا ..
يوم للنسيان ..