طريقة ترحيل هذا الشخص من مطار تونس قرطاج، دون إطلاعه على موجبات هذا الإجراء و ذلك بشكل مباغت ودون أن يكون ألقى أي محاضرة ، أو صدر منه سلوك ظاهر مخالف للقانون في النزل الّذي كان يقيم فيه ، بعد إخراجه من مسبح الفندق و مصاحبته إلى غرفته لجمع أغراضه قبل نقله إلى المطار.
هذه الأخبار الأولية السريعة الّتي تمّ تناقلها عبر المواقع الإلكترونية و شبكة التواصل الإجتماعي ، اتضحت فيما بعد ، ليقع الكشف على أن الأمير هشام العلوي كان سيلقي محاضرة في إطار ندوة ستنتظم بتونس تنظمها جامعة ستانفورد الأمريكية حول التحديات الأمنية في بلدان المغرب ومصر واليمن.
وهشام ابن عبداللّه العلوي(53 سنة) ناشط حقوقي و باحث بجامعة هارفارد الأمريكية الّتي لها مركز دراسات بتونس حول الشرق الأوسط، ( CMES ) ومقيم بمدينة بوسطن الأمريكية و له مؤسّسة بإسمه وهو عضو في إدارة المنظمة الدولية الحقوقية هيومن رايتس ووتش و أصدر كتابا سنة 2014 بعنوان «يوميات أمير منبوذ» ومعروف بإنتقاده لسياسة الملك محمّد السادس لذلك لقّب بـ«الأمير الأحمر»، ولكن بإعتبار أن خالته هي أم الأمير السعودي الوليد بن طلال بقيَ مقرّبا للأسرة الملكية السعودية، وهو ما جعله متمتعا بإمتيازات «الإمارة». وفي نفس الوقت كان هذا الباحث مصدر قلق العديد من الأنظمة بسبب ما ينشره من مقالات خاصّة بجريدة «لومند ديبلوماتيك» الفرنسية حول الربيع العربي الّذي أجهر في أكثر من مناسبة بأنه غير مكتمل، معتبرا تونس أنموذجا بالمفهوم الإيجابي و«أن الشعوب العربية انتقلت من مستوى الرعية إلى مفهوم المواطنة والدفاع عنها وهو ما سيضمن استمرار الربيع العربي».
وما حصل لهذا الباحث في تونس سبق أن حصل له في أبو ظبي ، ولكن لم يكن منتظرا أن يقع ترحيله من بلادنا خاصّة و أنه لم يمس تونس بسوء إلا إذا اعتبرنا أن نقد الأنظمة الخليجية أو غيرها من باحث حقوقي على أرض تونس من «المحرّمات » ، و هو أمر تجاوزته الديمقراطية الفتية في تونس ، في نظر التونسيين و كذلك في نظر الدول الغربية.
لذلك يمكن القول بأن إجراء ترحيل هذا الباحث الحقوقي هو إجراء»سياسي»كما ورد في بعض «المبرّرات» الّتي نقلتها تقارير صحفية في غياب أي موقف رسمي ، لا يستقيم، لأن هذا الإجراء، لا يمت للسياسة بصلة ، ويبقى في نهاية الأمر غير مبرر بكل المقاييس و يذكرنا، بمواقف و إجراءات سابقة كانت تتخذ ضد الناشطين الحقوقيين في الدّاخل و من الخارج .
و حتى و إن احتملنا أن هذا الإجراء كان استجابة لطرف ما أو تزيّدا لإرضاء السلط المغربية أو غيرها ، فإن ذلك لا يمنع من الجزم بكونه أساء لسمعة تونس و لصورتها في الدّاخل والخارج و أعاد للأذهان صورة سياسة العصا الغليظة والإجراءات الديكتاتورية، خاصّة إذا ثبت أنه لم يصدر من هذا الباحث أي تصرف يسئ للأمن أو كان محل إجراء أو تتبع قضائي
أو أتى فعلا خطيرا مخالفا للعرف الديبلوماسي .
هذا الإجراء « المتعجرف» أو «الفج» كان له وقع أشد من الوقع الّذي كان من المحتمل أن يحدث لو ألقى هشام العلوي محاضرته ، و كشف أيضا إستعصاء إقتلاع بذور عقلية التحجر لدى بعض الساسة والمسؤولين . وقد أدى هذا التصرّف إلى مزيد التعريف بهذا الباحث في تونس على عكس ما كان مرغوبا في أذهان متخذي هذا القرار، كما أساء لإعتبار تونس و للصورة الّتي كسبتها في ضمان حرية الرأي و التعبير.