وما إن تم الإعلان عن التحوير الوزاري حتى تعالت أصوات ندائية مقربة من المدير التنفيذي لتعلن في مختلف وسائل الاعلام بأن مرشح النداء لهذه الانتخابات الجزئية هو صاحب الباتيندة الجديد حافظ قائد السبسي نجل رئيس الجمهورية...
وسرعة الاعلان تدل على أن الأمر لم يفاجئ قيادة نداء تونس وأن الاصرار على ترشيح النائب حاتم شهر الدين الفرجاني لمنصب كاتب دولة كان بنية ايجاد شغور نهائي بمجلس نواب الشعب تمهيدا لدخول، محتمل، لولد سيدنا إلى قبة البرلمان من هذه النافذة بعدما استحال عليه ولوجها من باب الانتخابات العامة سنة 2014.
ومن هنا تفتحت قريحة التونسيين على أكثر السيناريوهات غرابة من بينها فوز حافظ قائد السبسي بالمقعد ثم الضغط على محمد الناصر للاستقالة (أو الاقالة) ثم ترشح النجل لرئاسة المجلس ولم لا فيما بعد سد الشغور النهائي في رئاسة الجمهورية (بداعي الاستقالة مثلا) وفق مقتضيات الفصل 84 من الدستور..
لا نشك أننا أمام سيناريو يشبه أفلام الخيال العلمي ومبني على تضافر وتواتر فرضيات يكاد يستحيل جمعها بهذه الصيغة..
ولكن المهم في وضعية الحال أننا أمام خطة مدبرة.. خطة سقطت فيها الحكومة بوعي أو دون وعي قد تسمح، لنجل الرئيس بدخول قصر باردو بعد أن مُنع منه سنة 2014 ...
في الحالات العادية ما ترشح مسؤول سياسي للانتخابات التشريعية أو غيرها لا يثير اشكالا كبيرا.. وحتى حجة عدم الاقامة لا معنى كبير لها مادام القانون لم يفرضها ومادام العديد من النواب قد ترشحوا في دوائر لا يقيمون بها...
ولكن نحن لسنا في حالة عادية.. نحن أمام ترشح محتمل لنجل رئيس الجمهورية وفي مسار توريثي لا يخفى على أحد..
لا نقول ولا ندّعي بأن رئيس الدولة بصدد توريث نجله.. فهذا ما لا نملك دليلا مباشرا عليه وإن كنا نقول ونؤكد بأن الباجي قائد السبسي لم يفعل شيئا لمنع حلم «التوريث» عند ابنه..
ونحن لا يهمنا كثيرا ان كان التوريث سياسة ذاتية عند المدير التنفيذي لنداء تونس أم أنه استراتيجية موضوعية، فالأمران في نهاية التحليل سواء...
الواضح أن حافظ قائد السبسي يريد لعب دور سياسي من الدرجة الأولى وأن هذه الرغبة هي التي غيّرت كل المعطيات داخل الحزب الفائز بالانتخابات...
وإن ننسى فلا ننسي أن آخر عملية حزبية قام بها الباجي قائد السبسي بعد انتخابه رئيسا للجمهورية هو الحاق نجله بالهيئة التأسيسية لنداء تونس بمعية محمد الناصر رئيس الحزب آنذاك والفاضل عمران أول رئيس كتلته النيابية...
ومنذ دخول قائد السبسي الابن في الهيئة التأسيسية بدأت سلسلة من الدسائس والمناورات كانت نتيجتها التخلص التدريجي من كل الخصوم وحتى من الذين تمكن بفضلهم من عملية صعوده المتواصلة..
وقد رافق عملية الصعود هذه صعود لوبيات الولاءات والمصالح حول صاحب الباتيندة.. وكل هؤلاء لهم مصلحة في النفخ في مشروع «التوريث» حتى وإن لم يكن أحد منهم مقتنعا به.. ذلك لأن وحده مشروع «التوريث» يمكن أن يكون العقد المادي والمعنوي الرابط بين كل هذه الأطراف..
لا نبالغ ان قلنا بأن تجليات مشروع التوريث هي التي أفسدت المناخ السياسي في البلاد وأضعفت بصفة جلية العائلة الوسطية ونفرت العديدين من السياسة والسياسيين وخلقت كذلك شروط اللا استقرار السياسي الذي قد يهدد البلاد في المواعيد الانتخابية القادمة..
فالمسألة ليست فقط في «مشهدية» ترشح ولد سيدنا لانتخابات جزئية والتي قد يكسبها خاصة اذا ما تلقى دعما نهضويا متوقعا.. بل في دلائلها السياسية وهتكها لما لا يُكاد يُستر..
لقد تحصل المرشح الندائي في دائرة ألمانيا سنة 2014 على حوالي 41 ٪ من الأصوات وتبعه المرشح النهضوي بـ 36 ٪ بما يعني أنهما يمثلان أكثر من ثلاثة أرباع الأصوات المصرح بها.. فلو قررت الحركة الاسلامية بأن يكون نجل الرئيس هو مرشحها كذلك سيصبح في طريق شبه مفتوحة..
ولكن دخول المدير التنفيذي للنداء إلى قبة البرلمان من شباك ألمانيا سيغير الكثير في المشهد الندائي في الأشهر القادمة اذ ستصبح القاعدة واضحة جدا: أنا النداء والنداء أنا ومن سيرفض هذا سيجد نفسه ضرورة على الهامش.. الغريب أن المتسلقين القدامى والوافدين الجدد لا يدركون أن مسار التوريث كارثي لحزبهم وأنه كلما حقق «انتصارات» داخل ما بقي من النداء عمّق الشقّة بينه وبين قاعدته الانتخابية..
المهم على كل أن بلادنا ستشهد انتخابات في موفى سنة 2017.. وهي على جزئيتها ومحدوديتها ليست أقل قيمة سياسيا ومعنويا من الانتخابات البلدية والتي لا ندري لحد الآن متى ستقع.