لكن قبل ذلك لن يخلو المناخ من التقلبات الناجمة عن الملفات المؤثرة على العلاقة بين الأطراف الإجتماعية فيما بينها و فيما بينها و بين الحكومة ، الّتي من بين حلقاتها ما ستتخذه الهيئة الإدارية للإتحاد العام التونسي للشغل الّتي ستلتئم غدا الإثنين 27 أوت الجاري ، و الّتي لن تقتصر مقرراتها على ما يتعلّق بالمؤسسات العمومية و المؤسسات الخاصة وما تعيشه من توتر، بل ستعبّر عن موقفها ممّا يتداول حول التحوير الوزاري و توجهات الحكومة .
بعد ذلك ،و على ضوء المستجدات في موقف الإتحاد العام التونسي للشغل ، سنكون إزاء إعلان عن سد للشغورات أو عن تحوير وزاري يتجاوز سد الشغورات ، وما سيتبع ذلك من ردود الفعل يمكن التكهّن بأنها لن تُرضي كل الأطراف،بالإستناد إلى ما إنتهت إليه المشاورات في الأيام الأخيرة ، بخصوص إملاءات «معادلة التوافق» الّتي يعمل بهديها حزبا الأغلبية في حكومة «الوحدة الوطنية» النهضة والنداء ، وهي معادلة محكومة بالتوازنات في مجلس نواب الشعب.
تجدر الملاحظة في هذا المضمار ، أنه يصعب تصوّر وجود حكومة قادرة على المسك بزمام الأمور مشكّلة على توافق لا يأخذ بعين الإعتبار مستلزمات الوضع الّتي تعيشه البلاد في تعيين كفاءات متمكّنة من آليات الإصلاح و حائزة لتجربة تخوّلها التعامل بدراية و جدية مع مختلف الملفات الحارقة الّتي تسبق أول إنتخابات بلدية بعد جانفي 2011 ، و في بداية مرحلة فاصلة تحرّكها هواجس التعبئة لخوض إستحقاقات إنتخابية تشريعية ورئاسية سنة 2019.
من الملفات الساخنة أيضا قانون المالية الّذي أثار مجرد تناول بعض المقترحات والأفكار الّتي يقع إستعراضها في نقاشات أولية ، ردود فعل في الأوساط المعنية بمقترحات الأحكام الجديدة الّتي سيأتي بها هذا القانون . و فضلا عن هذا فإن إملاءات الدوائر المالية والدول المانحة التي تقترض منها تونس أو المرتبطة بها، ستثير جدلا كبيرا وستلقى معارضة واسعة ، لما لها من انعكاسات على الوضع الإجتماعي عموما، وعلى مواطن الشغل والمقدرة الشرائية وتدخلات الصناديق الإجتماعية و غيرها من المؤسسات المدعومة أو الدّاعمة للدولة على حد سواء.
في قلب هذه الملفات ملفات الفساد الّتي فتح بعضها ،و شاب فتح هذه الملفات نوع من الإسترخاء و نواقص في مباشرة بعض الملفات و القيام بإجراءات ضعيفة السند و يمكن أن يطالها البطلان بسبب التسرّع و نقص الكفاءة الصناعية لدى الهياكل المعنية . و بمعية هذا الملف ملف القضاء و صعوباته الهيكلية و ضعف موارده البشرية و نقص بنيته التحتية ، وتفشي ظواهر سلبية داخله أفقدت ثقة المتقاضين فيه ، دون أن يحوز رضاء جانبا هامّا من العاملين فيه .
وعندما نتحدّث عن القضاء فلا بد من الإشارة إلى أوضاع المحاماة، الّتي بدأ المنتمون إليها يتحرّكون ،إستعدادا للتصدّي لإجراءات قديمة وجديدة تخص المحامين والمتقاضين متصلة بمجانية التقاضي و بإثقال كاهل المواطن .
في نطاق متصل ولكن في جوانب تهم التشريع و الإصلاحات التشريعية ، من المنتظر أن تشكّل مراجعة مجلة الأحوال الشخصية جدلا واسعا ،إذا تمّ التمادي في إنجاز التوصيات المعلن عنها في 13 أوت الجاري. واللّجنة الّتي تشكّلت بإذن رئاسي للنظر في موضوع الإرث و المساواة بين الذكر والأنثى، وفي زواج التونسية و التونسي بغير المسلمين ، لن تكون إزاء مهمّة سهلة ،لما للموضوعين من آثار وتبعات قانونية قد تقتضي مراجعة واسعة إتساع النقاش والجدل الّذين سيقومان بالمناسبة .
كل هذه الملفات الّتي يسترعي الجانب السياسي منها إهتمام الرأي العام أكثر من غيرها ، تحجب الإشكاليات الإقتصادية والمالية الّتي تعيشها البلاد و الّتي لا يتابع في الحقيقة مستجداتها إلا نخبة قليلة ،في حين يجب أن تكون في قلب الإهتمامات لأنها هي الّتي تحكم في النهاية الأوضاع العامّة للبلاد ، و لا نخفي سرّا إن قلنا أنها «الصفيح السّاخن جدّا» الّذي ستعيش على وقعه السنة السياسية الجديدة وسيبلغ لفحه كل الفئات...