حسب عبارات عماد الخميري الناطق الرسمي باسم حركة النهضة... وهذا «التحوير الوزاري الموسع» سيكون بعد «تقييم آداء الوزراء وعلى أساس وثيقة قرطاج وبعد مشاورات مع الأطراف الممضية من أحزاب ومنظمات» هذا هو تصوّر حركة النهضة للتحوير الوزاري بعد ما أصبح واضحا للجميع -ولها خصوصا- بأن التحوير الذي ينوي القيام به رئيس الحكومة سيشمل بعض الوزارات وخاصة منها وزارة الصناعة والتجارة التي هي الآن بحوزة زياد العذاري الأمين العام لحركة النهضة...
التحوير الذي تنوي القصبة إدخاله لا يتعلّق بتعويض الوزير بل بتغيير هندسة الوزارة إذ ستحذف منها التجارة لتعود وزارة كاملة وتلحق بها الطاقة من جديد... وبالطبع فقد اعتبرت حركة النهضة أن هذا التقسيم الجديد إنما هو إعلان غير مباشر بفشل أمينها العام خاصة في إدارة التجارة الخارجية حيث بلغ عجزنا في هذا المجال أرقاما خيالية وقياسية...
لكن لا يبدو أن خوف النهضة على أمينها العام هو العنصر الوحيد لما يمكن أن نسميه بإعلان الحرب على الحكومة، بل هناك نيّة واضحة من الحركة الاسلامية للخروج من مرحلة المساندة المنكفئة على ذاتها إلى مرحلة تحدي يوسف الشاهد وفريقه الحكومي...
يبدو أن حركة النهضة لم تقبل الاستخفاف الشعبي والحزبي والرئاسي بالشروط الغنوشية التي عبّر عنها رئيسها في حواره على قناة نسمة يوم غرة أوت الجاري عندما طالب الشاهد بأن يعبّر عن عدم نيّته الترشّح لانتخابات 2019 وهو يعني بالطبع الانتخابات الرئاسية... ثم طلبه الثاني بفتح حوار اقتصادي جديد لأن حكومة الشاهد، كغيرها من الحكومات، قد فشلت في إدارة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تهدّد البلاد...
فشل هذه المناورة خلّف فيما يبدو شعورا بالمرارة عند القيادة النهضوية التي استغلت بعض الاضطراب الحاصل في الإعداد للتحوير الوزاري لتفرض شروطها على الحكومة وعلى «شركائها» كذلك...
والهام، سياسيا، في هذه «الحرب» الجديدة أن حركة النهضة لن تكتفي من هنا إلى نهاية هذه العهدة البرلمانية والرئاسية بدور المطيع المهادن لرئيسي الدولة وللحكومة... ولعل هذا يعود إلى تقديرها بأن الباجي قائد السبسي قد بحث في مناسبتين خلال هذا الشهر عن حشر الحركة الاسلامية في الزاوية : الأولى عندما رفضت الرئاسة الشروط الغنوشية والثانية في إشارات لا تخفى على أحد في خطاب رئيس الدولة يوم 13 أوت إذ اعتبر نفسه قد أخطأ عندما أكّد للرئيس الأمريكي أوباما في أكتوبر سنة 2011 مسألة تراجع عنها فيما بعد والتفسير واضح وجلي وهو قوله له بأن الاسلام السياسي في تونس، أي حركة النهضة، يتلاءم مع الديمقراطية...
لا نعتقد بأن النهضة ستصبح في صراع مفتوح ودائم ونهائي مع الحكومة... أي أنها لن تختار اليوم مغادرة الائتلاف الحاكم والتموقع في المعارضة ولكنها اختارت بوضوح أن تنتقل من مرحلة الانفعال إلى مرحلة الفعل والتأثير وفرض الشروط مادام شريكها الأساسي في الحكم، نداء تونس، منهمكا في تناحراته الداخلية وفي السعي من قبل المنتدبين الجدد /القدامى لاقتسام كعكة السلطة ولتوزيع المناصب فيما بينهم (انظر مقال دنيا حفصة)...
والسؤال الآن هو ما عساها الحكومة فاعلة أمام هذا التحدّي الجديد؟ هل ستتجاوزه أم تخضع له؟ وفي كلتا الحالتين سنكون في وضعية سياسية جديدة تماما...
فلو تجاهلت حكومة الشاهد الشروط الغنوشية الجديدة وأقدمت على إعادة هيكلة وزارة الصناعة والتجارة فستكون في حرب مفتوحة مع «مون بليزير» وقد يهتزّ الائتلاف الحاكم في الأسابيع المقبلة لندخل إمّا في أزمة مؤسسات أو في إعادة تشكيل تحالف حاكم جديد...
وإن رضخت الحكومة لشروط أفندينا الجديدة واقتصر التحوير الوزاري فقط على سدّ الشّغورات فستكون، سياسيا، قد دخلت بيت الطاعة النهضوي وسنكون أمام حزب واحد قوي والبقية إمّا أتباع أو خصوم...
هذا الآن في انتظار «انتصار» إسلامي في الانتخابات البلدية وعندها يكون «التحوير الوزاري الواسع» أي حكومة نهضوية مع بعض الفواكه الطازجة والجافة...
ولكن هذا التحدي النهضوي الأخير لم يوجه فقط لحكومة الشاهد بل هو رسالة واضحة للباجي قائد السبسي تقول بأن زمن الطاعة واتباع الرئاسة قد ولّى وانتهى وأن الانتخابات البلدية القادمة لن يكون رهانها محليا أو جهويا فقط بل تريد النهضة فيها استعادة الريادة الحزبية ومن ثمّ المقود السياسي في البلاد... وقد نعود إلى ما يشبه الصراع العلماني الاسلامي على خلفية الاعلانات الرئاسية يوم 13 أوت الجاري...
بعد فشل استراتيجية «ربطة العنق» ها أن النهضة تستعيض عنها باستراتيجية تشديد الخناق...
والكرة الآن في ملعبي رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية... فالتكتيك النهضوي الجديد يتطلّّب «خبثا كرويا» من الطراز الرفيع وقدرة على التصدي وعكس الهجوم... فهل سنكون في مقابلة التكشير عن الأنياب ولكن عن بعد أم سنرى صداما مباشرا على غرار لعبة المصارعة وهنا يبقى السؤال : هل ستكون على الشاكلة اليونانية أم مصارعة حرة أم عركة في حومة حيث تباح كل الضربات وفي كل المستويات؟!