الاستنتاج الأول والأبرز هو أن نمو الناتج المحلي الإجمالي (PIB) للثلاثي الثاني كان دون المأمول إذ لم يرتفع إلاّ ب%1.8 بحساب الانزلاق السنوي أي عندما نقارن الثلاثية الثانية لـ2017 بنظيرتها في 2016 ولكن أسوأ ما في هذا المؤشر هو عندما ننظر إليه من زاوية التغيرات الثلاثية أي مقارنة الثلاثي الثاني من 2017 بالثلاثي الذي يسبقه مباشرة(الثلاثي الأول لـ2017) هنا نجد أن الناتج المحلي الإجمالي لم ينم الا بنسبة ضئيلة جدّا : %0.1 مقارنة بـ%0.8 التي حققها الثلاثي الأول وفق نفس المعيار..
وللتذكير فان المعهد الوطني للإحصاء قد راجع نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي للثلاثي الأول من هذه السنة من %2.1 كما تم إعلانه سلفا إلى %2 فقط وهكذا يكون معدل نمو الاقتصاد لنصف سنة 2017 هو %1.9 وعندما نعلم بان الحكومة تراهن على تحقيق %2.5 على كامل هذه السنة ندرك صعوبة المهمة إن لم نقل استحالتها لان تحقيق هذه النتيجة يتطلب نمو الناتج في النصف الثاني لهذه السنة بما لا يقل عن %3 وهذا الأفق مازال بعيد المنال..
بل حتى نسبة %2.3 التي توقعها صندوق النقد الدولي أضحت صعبة التحقيق لأنها تستوجب نموا في السداسي الثاني لـ2017 بحوالي %2.7 وهو ما لا يبدو أننا قادرون على انجازه .والأرجح أن تكون نسبة النمو لهذه السنة دون %2 لان تباطؤ نسق النمو الذي يعبر عنه تطور الناتج المحلي الإجمالي بحسب التغيرات الثلاثية ينذر بسداسي ثان أعسر بكثير ممّا كان منتظرا.
في العناصر الأساسية الخمسة المكونة للناتج المحلي الإجمالي اثنان فقط شهدا نموا ايجابيا في هذا الثلاثي الثاني وهما الخدمات المسوقة (تمثل %45 من الناتج ) بـ%4.3 نتيجة الانتعاشة النسبية للخدمات الفندقية وللنقل الجوي وكذلك الفلاحة والصيد البحري بـ%3.8 أما القطاع الأسوأ فهو قطاع الصناعات غير المعملية (الطاقة والمناجم) والذي تراجع في هذا الثلاثي بـ%5.3 أمّا الصناعات المعملية والخدمات غير المسوقة (الخدمات المسداة من قبل الإدارة) فلم يتطورا إلاّ بنسبة %0.2 وعندما نعلم أن استخراج الغاز والنفط يشهد تراجعا حادا ونحن في منتصف الثلاثي الثالث فهذا دليل إضافي على تواصل الصعوبات الجمة،إن لم نقل الكارثية، لهذا القطاع..وهذه الصعوبات ستنعكس بصفة سلبية واضحة على نمو الاقتصاد لبقية السنة.
من ناحية أخرى لم يسمح البطء النسبي لنسق النمو من مواصلة الحدّ التدريجي من نسبة البطالة التي بقيت مستقرة للثلاثي الثاني على التوالي في حدود %15.3 من مجموع السكان النشيطين.
يبلغ عدد العاطلين عن العمل في بلادنا حوالي 626.100 منهم 250.000 من أصحاب الشهادات العليا ..ورغم ارتفاع نسبة البطالة عند هؤلاء (%30.3) إلاّ أنها في انخفاض متواصل منذ سنة لتنتقل من %31.9 في الثلاثي الثالث لسنة 2016 إلى %30.3 في الثلاثي الثاني لسنة 2017 .
وكالعادة في تونس تضرب البطالة النساء أساسا سواء تعلق الأمر بالمعدل العام (%22.6 بالنسبة للإناث مقابل %12.4 بالنسبة للذكور) أو تعلق بأصحاب الشهادات العليا (%40.3 للإناث مقابل %18.7 للذكور)
على المستوى الجهوي تشهد البطالة في بلادنا أدنى نسبها في ولاية المنستير ب%6.1 وأعلاها في ولاية تطاوين بـ%32.4..
والتباين واضح جدّا بين منطقتي الشمال الشرقي (بنزرت وزغوان ونابل) والوسط الشرقي (سوسة والمهدية والمنستير وصفاقس من جهة وكل ولايات الجنوب بشرقيها (قابس ومدنين وتطاوين ) وغربيها (قفصة وتوزر وقبلي) ففي الاولى معدل البطالة هو دون المعدل الوطني بكثير (9.7% في الوسط الشرقي و%10.4 في الشمال الشرقي ) بينما هو ارفع بحوالي عشر نقاط في ولايات الجنوب (%24.3 في الجنوب الشرقي و%25.6 في الجنوب الغربي )و الواضح أننا لن نعالج هذا الانخرام بشركات الغراسة والبيئة والبستنة وأننا لم نتمكن إلى الآن من تغيير المعطيات التنموية في الجهات التي تشهد بطالة مرتفعة وذلك لا يعود فقط إلى جهد الدولة رغم أهميته بل إلى طبيعة الديناميكيات الاقتصادية الجهوية فزغوان ،مثلا، ليست أفضل حالا تنمويا من تطاوين ورغم ذلك فالبطالة دون %10 في الأولى وفوق %30 في الثانية..أي أن الاستثمار العمومي ما لم يعتمد على حركية اقتصادية محلية لا يمكنه أن يغير بسرعة المعطيات الاقتصادية والاجتماعية العامة..
خلاصة القول أن اقتصادنا لم يتعاف وان نموه مازال هشا ورهين التقلبات السياسية والاجتماعية..ورغم تفاؤل التقديرات المستقبلية فمازلنا لم نحقق بعد تلك القفزة النوعية التي تسمح لنا بالمرور إلى سرعة أعلى..ونتيجة كل ذلك قطاعات صناعية وخدماتية أضحت تشكو من صعوبات هيكلية وبطالة مرتفعة خاصة في ولايات الجنوب وبدرجة اقل في ولايات الوسط الغربي (القيروان والقصرين وسيدي بوزيد) وكذلك في تونس الكبرى حيث يبلغ فيها معدل البطالة %17..
دفع عجلة الاقتصاد هو الأولوية القصوى ولسنا ندري هل أن العطب يكمن في العجلة ذاتها أم في من يسعى لدفعها..