أن الحلقات الّتي بثتها إحدى المحطات التلفزية تعلّقت بفترة لم تتجاوز حتى مدّة الخمس سنوات الّتي تحمل على الموظف العمومي العادي إحترامها .
لن نتوقّف على الجدل حول صحة ما رواه السيد المرزوقي ، و لا على التوصيفات التي نسبها إلى نفسه ، أو البطولات و النضالات الّتي يعتقد أن التاريخ سجلها له ،و لا على تلك التعاليق ولا أخبار صدى قصر قرطاج في فترة توليه الحكم، بل سيكون التوقّف على ما أثار الانتباه والإستغراب، الخروج السريع للسيد المرزوقي عن واجب التحفّظ الّذي يلزمه كرئيس دولة ترك منذ مدّة قصيرة جدّا أعلى مسؤولية في هرم الدولة.
لقد نسي بسرعة أنه رئيس دولة سابق ما يزال مرتبطا بالدولة و يبقى كذلك ،ليس في نظر القانون فقط بل في نظر الأعراف الدولية والدبلوماسية وحتّى القيم الأخلاقية.
بل نسي السيد المرزوقي أنه ما يزال على رأس حراك سياسي قد يدخل به غمار انتخابات رئاسية أخرى ،و أنه يدّعي حمل هموم شعب له دولة يجب صيانة سمعتها وهيبتها ،و حفظ أسرارها و العمل دائما على رفع رايتها، الّذي تحمّل مسؤولية الذود عنها.
نسي و نسي مستشاروه و أتباعه الّذين يسدون له النصائح و المشورة ، أن الحط من شأن من كان يتكلّم بإسمهم ، هو حط ّ من شأنه و من شأن مؤيّديه و كل الّذين هم حوله ،و كل من منحوه ثقتهم للاصطفاف وراءه.
واجب التحفظ الّذي يجعلنا نسمي الرئيس السابق ، بصفته و بمركزه و نرفض أن نكّنيه إحتراما لرمز السيادة الّذي حمله ، لم يكن له أي وزن في نظره ، بل أساء بتصريحاته لهيبة دولته و لجيشها و أمنها و مسؤوليها، و للأعراف الدولية والدبلوماسية.
هذا الواجب المحمول على كل المسؤولين في الدولة من أدنى إلى أعلى هرم فيها ، ويجعلهم ملزمين بكتمان السر المهني في كل ما يتعلّق بالوقائع و المعلومات ألتي وصلت لعلمهم أثناء ممارسة وظائفهم أو بمناسبة مباشرتهم لها طبق القانون التونسي .
و الإساءة إلى الأشخاص الإعتباريين أو الطبيعيين في مجال الوظيفة العمومية أو شبه العمومية موجبة للتتبع الجزائي إذا تم نشر ما يضرّ بها ماديا أو إعتباريا دون موجب. وكذلك يكون الأمر إذا تعلّق بإفشاء سر يتعلّق بالإرشادات العسكرية والديبلوماسية وحتى الإقتصادية والصناعية .
كما فات السيد محمّد المنصف المرزوقي أن واجب التحفظ الّذي يلزمه، يشمل كل ما ينسبه لموظف عمومي أو شبهه عن طريق الصحافة أو غير ذلك من وسائل الإشهار، من أمور غير قانونية متعلّقة بوظيفة ذلك الموظف العمومي دون أن يدلي بما يثبت صحة ذلك . وغني عن البيان أن المؤاخذة تتمّ على ما ينسب للشخص أو المؤسّسة ولو كان ذلك بالتلميح بشكل يسهل التعرف على من نسب إليه الأمر المخالف للقانون، فما بالك إذا كانت نسبة الأمر بصريح العبارة. و قد يزداد الأمر تعقيدا و خطورة إذا كانت الأحاديث المدلى بها بمقابل مالي.
لا شك أن للحديث شجون ، و لكن عندما يتعلّق الأمر برمز سيادة الدولة و أمنها وبالأشخاص واعتبارهم ، تتحول الشجون إلى «غصّة» إذا تمّ تطبيق القانون كما يجب.
هذا التذكير بواجب التحفظ ، لا يخص السيد محمّد المنصف المرزوقي بل يخصّ كل من كان مؤتمنا على سر يكون أو كان من مستلزمات وظيفته أو نشاطه أو إطلع عليه بمناسبة قيامه بتلك الوظيفة ، لذلك صدق المثل الّذي قال» لسانك صوّانك ، إذا صنتهٌ صانك و إذا خنتهٌ خانك....