المجلس التأسيسي في أكتوبر 2011 نسبة تقدّر بـ37 % Bd بـ89 مقعدا. هذه النسبة لم يكن يتوقّعها الكثير من السياسيين، لأنهم لم يأخذوا بعين الإعتبار الرصيد الّذي hكتسبته الحركة من التعامل السياسي و الأمني معها طيلة سنوات طويلة أظهرتها في واجهة التشكيلات المضطهدة ، ولا الدعم المالي الّذي وجدته من العديد من الدول الداعمة للحركات الدّاعية إلى إنشاء دول إسلامية ، ولا الخلط الّذي يحصل في أذهان عامّة المواطنين بخصوص أداء الفرائض الدينية و ممارسة السياسة الموظفة للدين .
في الإنتخابات التشريعية لسنة 2014 نزلت هذه النسبة بحوالي عشر نقاط إذ بلـــغت 27،79 % بـ 69 مقعدا في مجلس نواب الشعب ، في حين تحصّل حزب نداء تونس المبعوث حديثا الّذي تزعمه السيد الباجي قائد السبسي على نسبة 37,56 % و بعد ذلك مباشرة تحصل زعيم النداء آنذاك على نسبة 55,68 % من الأصوات في الإنتخابات الرئاسية و لم يتحصّل المترشح السيد المنصف المرزوقي المدعوم من جانب كبير من أتباع النهضة إلاّ على 44,31 % .
هذه النتائج الأخيرة تحقّقت بإعتبار تواصل نفس الدعم المالي والسياسي من الدول الداعمة لما سمي بـ«الإسلام السياسي» وبإستغلال التمركز في بعض هياكل الدولة الّذي تحقّق بإستغلال التمطيط في المرحلة «الـتأسيسية «الإنتقالية»، وكذلك بسبب أخطاء الأحزاب والتشكيلات السياسية الوسطية والحداثية. ولكن ساهمت الممارسات السياسية في كشف حقيقة حركة النهضة و تعرية أهدافها وخطابها المزدوج ، الّذي لم ينفّر عنها العديد من الناخبين بل نفّر كذلك العديد من الإنتخابات بوجه عام.
بعد إنتخابات 2014 و الإنقسام و التشرذم الّذي عرفه نداء تونس والتذبذب الّذي عرفته العديد من الأحزاب ،و إنحسار شعبية عدد آخر منها ، تقلّصت ثقة القاعدة الإنتخابية في العمل الحزبي ، و أصيب جزء منها بالإحباط ، و هو الخطر الحقيقي الّذي يهدّد الإستحقاقات الإنتخابية المقبلة ، و هو ما نتابع ملامحه في العزوف عن الإقبال على التسجيل في القائمات الإنتخابية.
في هذه الأجواء العامّة «الباهتة» تواصل العديد من الأصوات تهويل حجم حزب النهضة، وفي مواصلة وصفه بحسن التنظم والماسك، بالرغم من أن النتائج السابقة كشفت عكس ذلك، بل أن كل المؤشرات تدفع إلى التوقع إلى مزيد الإنحسار بسبب تبرّم القواعد من تحالفات حزبهم، وعدم رضاء المتشدّدين على أدائه، وكذلك بسبب المناخ الدولي العام الّذي تميّز بتنامي معاداة الأحزاب ذات المرجعيات الدينية، وبتحميل جزء من الدول الغربية للسياسة الأمريكية والمقربين منها مسؤولية ما حصل في العالم من تغيرات بسبب تنامي ظاهرة العنف والإرهاب.
و لكن قادة حزب النهضة و أتباعه يبدون منتشين بالصورة الّتي تسوّق لتنظيمهم ، و يحرصون على أن تتواصل نفس الدعاية المجانية لتماسكهم و قوّة تأثيرهم في السياسة العامّة . و تراهم ينتعشون بإستغلال الأحداث والحملات و التجاذبات الّتي تظهر بين الفينة و الأخرى ، حول مواضيع متصّلة ببعض «ثوابت» عامّة الناس، كمسألة الإفطار و بيع الخمر و ظواهر أخرى يتناولها الإعلام و يبالغ في نقلها . غير أنهم يلازمون الصمت أو يتهربون من الإفصاح عن مواقفهم الحقيقية، يدخلون في العموميات ،كلمّا تعلّق الأمر بشأن جاد، كمكافحة التهريب والمهربين، وملاحقة الّذين شاركوا في تسفير التونسيين إلى بؤر التوتر، وتتبع المتجاوزين في فترة حكم الترويكا، وتبعات سياسة التشغيل في تلك الفترة و بعض الإنتهاكات أو التواطؤ الّذي سُجّل في نفس الفترة ، بل يمكن معاينة الإرتخاء في التعامل مع ملف مقاومة الفساد ، دون أن ترتفع الأصوات لإبراز ذلك.
لا نرمي الكرة في ميدان الإعلام ، ولا نحاسب حركة النهضة على حسن إستغلالها السياسي لأخطاء الآخرين وغيابهم وغبائهم السياسي، ولكن نبدي المخاوف من انحسار انخراط المجتمع المدني والقوى الحيّة و النخب الفاعلة ، في تدعيم المكاسب الّتي تحقّقت للدولة، وترك الفراغات لبث فكر انهزامي ولترعرع عقلية هدّامة تنسف ما تحقّق من خطوات في الديمقراطية الناشئة ، خاصّة بالدعاية المفتقدة لأي معطيات واقعية أو علمية ...