إنّ صورة عدد كبير من نواب الشعب تزداد سوءا يوما بعد آخر وهو أمر راجع إلى عدة عوامل منها: سوء فهم هؤلاء للدور الذي يجب عليهم النهوض به وللمسؤولية الملقاة على عاتقهم . فالبعض يعتقد أنّ دوره هو الاتصال المباشر ببعض الوزراء أو المسؤولين لإسداء خدمات وضمان امتيازات لأبناء جهته، والبعض الآخر يهتم بصورته وموقعه وامتيازاته قبل اهتمامه بأداء واجباته فتراه يتمسك بحقه في السفر، والتمتع بالمنح، والحضور في رسائل الإعلام...، والبعض الآخر يكون الحاضر- الغائب في الجلسات: حضوره الجسدي مرئي ولكنّ اهتماماته بالتواصل عبر الفايسبوك ومتابعة الأخبار تطغى على تركيزه على المشاريع المعروضة للتمحيص.
تؤجل المشاريع وترفع الجلسات لعدم توفر النصاب، وتصاغ القوانين بطريقة لا تستجيب للمطالب والواقع بسبب تغيّب النواب الذين كان من المفروض أن يدافعوا عن هذا الفصل أو المادة ...مثلما حدث مع الفصل 227 مكرر المتعلق بالعقوبات الخاصة بالعنف ضد النساء وتلك علامات دالة على اللامسؤولية.
تمارس فئة من النواب 'السياحة البرلمانية' متجاهلين أن الذين صوتوا لهم منخرطون في أحزاب ومؤمنون بتوجهاتها .فبدل أن يكون النائب/ة صوت من رشحه يصبح معبرا عن ذاته متخذا قرار الانتماء إلى حزب آخر أو كتلة أخرى وفق مصالحه.
تحيط ببعض النواب شبهات متعددة ومع كل أسبوع تزداد التهم وتنتشر أخبار تشينهم ، ولا معتذر أو مصحح أو مدافع عن نفسه أو مكذب «للأخبار»، ونتابع تدخلات البعض في مجلس الشعب وفي مختلف وسائل الإعلام فتصيبنا الدهشة والذهول من هكذا أداء وممارسات لا تمت بصلة إلى منظومة قيمية تحكم العمل البرلماني .
ليست هذه الأمثلة من 'الممارسات الشاذة' التي لا يمكن الاعتماد عليها للحكم على مدى نجاعة العمل البرلماني، وليس هذا الموضوع من 'الفزاعات' التي يحلو للبعض نشرها 'لغاية في نفس يعقوب'، بل إنّ للأمر صلة بالشأن العام وبالانتخابات التي نحن مقبلون عليها والتي بدأت الحملات التوعوية تروّج لها. فكيف يمكن ضمان ارتفاع نسبة المشاركين في هذه الانتخابات والحال أنّ أزمة الثقة صارت مهيكلة وشاملة. فبعد فقدان الثقة في عدد من الشخصيات السياسية وفي عدد من الأحزاب بل في العمل السياسي عموما ، وبعد اهتزاز الثقة في عدد من الإعلاميين وصنف من وسائل الإعلام ها أنّ الهوة تزداد عمقا بين الشعب ونوابه لاسيما وأنهم يرون استبسال النواب في سبيل الدفاع عن امتيازاتهم والافلات من العقاب عند التغيب عن الجلسات، وفي المقابل لا يرى هؤلاء غضاضة في أن تنتشر صورة مجلس الشعب وهو شبه خال من النواب.
ونتساءل هل بإمكان النواب المحترمين الذين يؤمنون بأنهم بالفعل يجب أن يكونوا في خدمة الشعب «صباحا مساء ويوم الأحد «أن يغيروا الصورة وأن 'يعدلوا المشهد' فيضغطوا ، ويقفوا سدّا منيعا إزاء الاستهتار والتصرف اللامسؤول ، والأنانية والنرجسية واستغلال الموقع ...؟ هل بإمكان النواب الشرفاء أن يصححوا الأخطاء وأن يقفوا بكل حزم ضد 'سلوكيات' تسيء إلى مجلس الشعب وإلى تونس؟ هل بإمكانهم أن يكونوا مع رفع الحصانة وإنزال أشد العقوبات على المستخفين بالمصلحة العامة؟ هل يمكن التعويل على هؤلاء النزهاء لإنشاء تيار إصلاحي يرفع القداسة عن النواب، ويقاوم الاستعلاء على سلطة القانون والتلاعب بمصالح البلاد؟