على الرأي العام والتأثير في الجماهير المنقادة بطبعها وراء العواطف. وتسمح لنا متابعة التصريحات الأخيرة الصادرة عن جهات مسؤولة في ليبيا والإمارات ومصر وفي غيرها من البلدان الانتباه إلى استراتيجيات المحاصرة، والإدانة وأساليب التأديب المعتمدة لإرجاع الابن الضال إلى الحضن وضمان تبعيته. ولئن تشابهت سيناريوات خلق الأزمات وحلها في المنطقة العربية فإنّ الأزمة الجديدة بين قطر و«شقيقاتها» تكشف عن ملامح ذات خصوصية غير معتادة في القوانين المنظمة للعلاقات السياسية الدولية نذكر على سبيل المثال سرعة اتخاذ القرارات والقفز على المسار الديبلوماسي الذي يقوم على التدرج والمرحلية والتربص في صياغة المواقف فضلا عن انطلاق المملكة العربية السعودية في ممارسة الضغوط على البلدان المستفيدة من دعمها المالي حتى تنخرط في مسار قطع العلاقات مع «الدولة المارقة» و«المرتدين» و«الخونة» وهو أمر يشي بوجود توجه جديد في إدارة الأزمات الخليجية قائم على التصعيد وغير مكترث بالعواقب.
ويحتل براديغم الإرهاب الصدارة في الخطاب السياسي والإعلامي المستند إلى حجج وبراهين لا تدع مجالا للشك في مسؤولية قطر عن استشراء الإرهاب في المنطقة بل في العالم . وتشير كثرة الأدلة المعروضة في مختلف وسائل الإعلام إلى «جاهزية» الدول الخليجية وتُخبر في ذات الوقت، عن المدة التي استغرقتها عملية حبك سيناريو إدانة قطر. ولكنّ المفارقة تكمن في حضور خطاب التعلل بالوقوف في وجه الدول الراعية للإرهاب في الخطاب المضاد أيضا، ومن ثمّة تتحوّل المملكة العربية السعودية والإمارات إلى المركز فتوجه لهما نفس الاتهامات. فهي بلدان دعمت الإرهاب ومولت التنظيمات وآوت الإرهابيين، وليس رفع شعار الحرب على الإرهاب في مثل هذه الحالة، إلاّ وسيلة لإسدال الستار على الأسباب الجوهرية(الغاز، المصالح الاقتصادية، موازين القوى الجديدة...) التي سرّعت بفك الارتباط العضوي بين البلدان الخليجية. كما أنّ التعلل بالانخراط في الحرب على الإرهاب يستغل مشاعر الخوف التي تهيمن على الشعوب منذ بروز «داعش» ومن شأنه أن يعجّل بالتفاف الجميع وراء القاطرة (السعودية - مصر- البحرين) فمن اصطف وراء الجماعة كان في عداد الفرقة الناجية، ومن تمرّد وعصى فستكون عاقبته الخسران المبين.
وبقطع النظر عن مسؤولية قطر في انتشار الإرهاب والتدخل في شؤون البلدان التي عاشت تحولات سياسية واجتماعية هامّة فإنّنا نقدّر أنّ وقوف البلدان المغاربية على الربوة لن يدوم طويلا لأنّ بنية العلاقات بين هذه البلدان و«الاتحاد الخليجي» لا تقوم على معايير تعزز احترام السيادة والقبول بالحياد ولا على قيم حداثية وإنّما تستند إلى تراث روّج لمقولات: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» و«أنا وابن عمّي على الغريب»، و «ألا يجهلن أحد علينا - فنجهل فوق جهل الجاهلينا» و«إن كنت لست مع فأنت ضدّي»... كما أنّ وضع البلدان التي تعاني من الهشاشة الاقتصادية والتوتر السياسي لا يؤهلها للدفاع عن مواقفها بكلّ شجاعة واستقلالية. فمتى وقف التابع والضعيف والفقير... بوجه المهيمن والحامي؟
والظاهر أنّ تداعيات سقوط قطع الدومينو ستنطلق هذه المرّة من الخليج لتعيد الأمور إلى نصابها ولتحذّر الذين صدقوا أنّ بإمكانهم تحقيق التغيير السياسي-الاجتماعي والنهوض الاقتصادي والثورة الفكرية بالتعويل على جهودهم الخاصة، من مغبّة السير وراء اليوتوبيا... وهو أمر مفهوم إذا تذكرنا موقف هذه البلدان من الثورات العربية وعدم استساغتها لخطابات الفخر والزهو بالنفس والاستعلاء لاسيما لمن تسلموا جائزة نوبل.
قُدر لمنطقة الشرق الأوسط أن يعاد تشكيلها وفق أسس جديدة ... ووزّعت الأدوار وانطلق المؤدون في أداء مهامهم على الركح ولا مكان للاستمتاع بالمشاهدة... وفي الحرب الإعلامية على قطر وثائق تكشف المستور عن علاقة بعض الشخصيات السياسية والأحزاب التونسية بقطر وبالإرهاب قد تستغل في حرب أخرى: الحرب على الفساد.