أمام تقلبات المناخ السياسي والإجتماعي: بأي جديد سيأتي خطاب رئيس الجمهورية؟

تقدم تونس في الأسابيع القادمة على فترة «تقلبات» سياسية واجتماعية حسّاسة، شبيهة بما عرفته في نفس الفترة التي سبقت إعفاء حكومة الصيد في النصف الثاني من سنة 2016 وتكاد تتكرّر نفس الأحداث حتى في إقالة بعض الوزراء وفي إستقبال رئيس الدولة

لرئيس الحكومة، إذ يُعاد نفس الخبر تقريبا بنفس العبارات للقول بأنّه تم إستعراض الوضع الأمني و الإجتماعي بالبلاد وآخر مؤشرات الإقتصاد الوطني ومدى تقدم الإصلاحات ...

والإعلان عن توجه الرئيس محمّد الباجي قائد السبسي بخطاب إلى الشعب يوم الإربعاء المقبل يؤكّد المخاوف من مزيد احتقان الأوضاع، ووعي رئاسة الجمهورية بضرورة العمل على وقف إهتزاز ثقة المواطن التونسي في إمكانية الحد من التدهور.

وإزاء هذه الأوضاع تقف الأحزاب السياسية في السلطة أو خارجها على نفس المسافة، بترديد نفس «الترنيمات» ومجاراة الإنطباع الشعبي العام و كأنها لا تعتبر نفسها معنية بتسيير البلاد ومصيرها. في حين تتابع منظمات المجتمع المدني الأوضاع باثة نفس المخاوف، ويسعى الإتحاد العام التونسي للشغل للتميّز بالدعوة إلى حوار وطني حول الإصلاحات الكبرى بالرغم من كونه كان «مشاركا» في حكومة الوحدة الوطنية وداخلا في مختلف المعادلات السياسية.

وأول ما يُنتظرُ متابعته في الفترة المقبلة مآل موضوع المصالحة الإقتصادية التي تعاد بنفس المشروع مع إدخال تعديلات عليه تفاعلا مع معارضيه وأخذا بعين الإعتبار لبعض المستجدات

لذلك جاءت معارضة حزب النهضة الطرف الرئيسي الثاني في حكومة الشاهد، لهذا المشروع مراوحة بين القبول والقبول المشروط (على شاكلة التمنع في لغة الهوى)، وهو أمر بديهي لأن جانبا هامّا من هذا المشروع إن لم نقل أهمّه ، سيستفيد منه العديد من قياديي النهضة ومتحزبيها لضرب عصفورين بحجر واحد و ذلك بالتمتع بالعفو بخصوص جرائم الصرف والثروات غير المصرح بها من ناحية، ومن ناحية أخرى الاستفادة من غطاء العفو الشامل والتمديد في فترة العدالة الإنتقالية والاستفادة من التعويضات المحتملة.

كما سيتفيد من هذا القانون أيضا عدد من الماسكين بزمام السلطة في مواقع مختلفة ومثلهم من الماسكين بمراكز قيادية في أحزاب سياسية، لم يصرّحوا بأموالهم وممتلكاتهم في الخارج، بمن فيهم من بادروا بالتفويت في حصصهم في شركات بجنسيات أجنبية، أو من إحتفظوا بأملاكهم لجني أرباح من تسويغها، يدفعون نحو هذه المصالحة لتبييض ذممهم ومواصلة البحث عن تحقيق طموحاتهم السياسية بأكثر أريحية. وهم يفعلون هذا رغم أنهم استفادوا من قوانين تخوّل لهم فتح حسابات بنكية بالعملة الصعبة في تونس يتصرّفون فيها بكل حرية.

ولكن كل هؤلاء المستفيدين من هذه المصالحة، ليست لهم الشجاعة في الجهر بمساندة المشروع لذلك يدفعون غيرهم بواسطة أوراق ضغط مختلفة للدفاع عن المشروع بالوكالة ولو أدى ذلك إلى إدخال البلاد في دوامة التطاحن الاجتماعي مستفيدين بمعادلة «داخلين في الربح، خارجين من الخسارة».

ويحدث كل هذا دون الجزم بتحقيق فائدة للبلاد من هذا القانون. وحتّى وإن كانت هناك فئة قليلة من غير المستفيدين المذكورين آنفا، من أصحاب الأموال المهرّبة أو المكتسبة بطرق غير شفّافة، فإنه يُستبعد أن تنخرط في هذه المصالحة خاصّة أمام تدني سعر الدينار، الذي يجعلها تتجنّب المغامرة في وضع غير مستقر وغير مضمون النتائج.

المسألة الثانية التي ستكون محط انشغال في الفترة القادمة، إتساع رقعة المطالبة الشعبية بمشاريع التنمية الجهوية و توفير مواطن الشغل، بعد أن ساد الاعتقاد بأن الضغط الشعبي والإحتجاج والإصرار على فرض المطالب، تعطي أكلها وتجعل الحكومة تذعن وتقدّم التنازلات حتى وإن كانت أغلبها وعود متكرّرة.

إن تواصل الإحتجاجات ودعمها بتعطيل العمل، قد يجبر الحكومة على تقديم تعهدات لن تكون قادرة على تحقيقها كما حصل للحكومات السابقة، لذلك فإن تكرّر نفس الأخطاء، سيفضي إلى نفس الفشل في إقناع الرأي العام بكون الحكومة جادّة في القيام بإصلاحات لفائدة الجهات المهمّشة.

والمطلوب توجيه خطاب سياسي واضح ومقنع ، يعكس الرُّؤية السياسية الممنهجة في معالجة مختلف الأوضاع سواء بخصوص تنقية المناخ الإجتماعي أو فيما يتعلّق بتجاوز إشكاليات التنمية الّتي تعيشها مختلف الجهات بصفة عملية وجادّة.

المسألة الثالثة التي ستكون لها مضاعفات سلبية على المرحلة القريبة القادمة، تتعلّق بالمناخ السياسي المتولّد عن ضعف الأداء السياسي وعن فقر في تصورات المجموعة السياسية الحاكمة، التي أصبحت تعالج ضعفها بقرارات ارتجالية.

ومرد هذا ليس بسبب الإعتماد على خليط محاصّة حزبية وعلى حلقة مقربين تربطهم مصالح مشتركة فقط، بل بسبب افتقاد جل عناصر هذه المجموعة للكفاءة السياسية والإدارية، ممّا أدى إلى انعدام القدرة على معالجة أي ملف من الملفات.

وقد أدى هذا الضعف إلى مزيد تفشي الفساد في كل المجالات، وأصبح كل فريق لا يعمل منفردا فقط، بل يعمل على إزاحة الفريق الآخر لضمان مصالحه الآنية والمستقبلية. ولو أن تعيين الشاهد كان تحت يافطة حكومة وحدة وطنية فإنه لم يحظ بمساندة مطلقة من أي حزب من الأحزاب المشاركة في الحكومة . ورغم مساعي المقربين منه لتحسين صورته لدى الرأي العام بخطب متلفزة وفي لقاءات مباشرة ، فإن ذلك لم يرق إلى إقناع عموم الشعب في مختلف الجهات. ورغم سعيه لترضية الإتحاد العام التونسي للشغل ولاتحاد الصناعة التجارة فإنه لم يكتسب تأييد المنظمتين، كما فشل في تأييد بقية الأحزاب، الأمر الذي أدخل البلاد في موجة جديدة من الدفع والشد وبروز رغبة في التغيير دول امتلاك أي بديل

ولقد سبق الدعوة إلى تقييم السياسات السابقة واستيعاب الدروس منها ولكن لم تكن الحكومة تسمع غير صوتها و لم تكن تنصت لغير المقربين إليها والمعبرين عن الرضاء بها ، لذلك سقطت في أزمة التواصل مع الشعب وقواه الحيّة. وحتى وإن حاولت تحسين سبل تواصلها، فإنها استنجدت بالذين بدوا مالكين لمفاتيح التخاطب الّذين استهلكتهم المنابر والمواقع التي كانوا يحسنون استبدلاها بتزلّف وانتهازية.

كل هذا التوصيف السريع يثير المخاوف و يفسّر تشاؤم فئات واسعة من الشعب، لذلك يمكن التساؤل عن مدى نفاذ أعلى هرم السلطة إلى ما تكابده أوسع الفئات ولانتظاراتها من حلول جادّة وعملية. فبأي جديد سيأتي خطاب رئيس الدولة المنتظر؟ فلننتظر ...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115