هذا القصف المفاجئ المأذون به من الرئيس الجديد للولايات المتّحدة الأمريكية يسفّه الإعتقادات «الرومانسية» لدى العرب و غيرهم ، بإمكانية الرؤساء المتعاقببن على البيت الأبيض، تغيير استراتيجية السياسة الخارجية الأمريكية بخصوص رعاية مصالحها وتنفيذ مخطّطاتها للإبقاء على نفوذها و هيمنتها على العالم .
لذلك لم تستهدف الضربات الجوية حيّزا غير معتبر في إحدى دوائر حمص ، بل منشآت جوية هامّة و مخزونا للبترول و الذخيرة و وسائل دفاع جوية و ردارات، وسبّبت خسائر معتبرة مادية وبشرية .
ورغم نفي سوريا اتهمات استعمال الكيميائي ، فقد تمّ تنفيذ الضربات بتعلّة « الدعوة إلى الإنضباط» والتحذير من «كسر عصا الطاعة» أو التطاول، لا لسوريا فقط بل لبقية الدول الّتي تفكّر في مجابهة السياسة الأمريكية، لذلك هلّل الموالون للسياسة الأمريكية لحصول هذه الضربات وانساقوا في التبرير والتحذير، بالضبط كما حصل في العراق وليبيا.
والحقيقة الّتي لا يمكن تجاهلها أن دعم روسيا لسوريا لم تتقبّله أمريكا وحلفاؤها، لأنه غيّر المعطيات في المنطقة ،لذلك عبّرت الأطراف الّتي كانت تقف وراء تأجيج حرب الدّمار عن عدم رضائها لمنحى دعم روسيا لسوريا. وكان ذلك رغم أن هذا الدعم جاء بعد أن اتسعت رقعة المعارضة السورية لتصبح داعش وجبهة النصرة ركيزتين أساسيتين في الجبهة الّتي تريد إسقاط النظام السوري، وبعد أن ظهرت مخاطر المدّ الإرهابي وتعدّد ضرباته في مختلف دول العالم .
هذا المد لا يمكن أن يحصل دون دعم من الآليات الحربية الدولية و تجار الأسلحة واللّوبيات المنظمة التي تبقى في حاجة دائمة إلى خلق بؤر التوتر، سواء بواسطة داعش أو غيرها، لذلك نشهد على الدّوام تشكيلات متنوّعة تظهر وتندثر لترك مكانها لكيانات أخرى، تواصل نفس المهام تحت تسميات جديدة، وقد لا يتوقّف هذا «التناوب» لتجنب حرب عالمية ثالثة تعيد تشكيل العالم من جديد.
و الجدير بالملاحظة أن العديد من الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة و قطر البحرين والكويت وغيرها أيدوا هذه الضربات واعتبروها ضرورية لمنع استمرار استخدام الأسلحة المحظورة ضد المدنيين، و بدوا مسلّمين بإتهام سوريا، ومقتنعين بأن الحل هو توجيه ضربات مدّمرة لقدرات سوريا «المتبقية» . كما أيدت تركيا الضربات ضد سوريا بل «اعتبرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطوة إيجابية و لكن غير كافية».
لا يمكن الدّفاع عن استعمال الأسلحة المحظورة في أي بلد أو في أي منطقة من المناطق، ولكن يجب ألاّ تأخذ الإتهامات على أنها حقائق، ونشرّع للقيام بأعمال مدمّرة لا تفرّق بين المدني والعسكري، وتنصّب أي دولة من الدول نفسها «حارسة» للجميع و«مؤدّبة» لمن تريد دون أي اعتبار لسيادة الدول و لدور الهياكل الأممية والقوانين والإتفاقيات الدولية الّتي يجب أن تطبّق على كل المجتمع الأممي دون استثناء.
إن تقاطعات مصالح عدّة أطراف في سوريا و في الشرق الأوسط عموما ، تجعل قوى التوسع تطبّق سياسة فرّق تسد كي تهيمن و تطبّق مشاريعها للإستحواذ على الثروات و كي تستنزفها وتدفعها نحو التسلح لتسويق منتوجها ، فتهدّمها لتدخّل في إعادة بنائها، وتثير الطائفية وتشجّع على التفرقة لأسباب دينية و عرقية وقبلية كي تبقى دول المنطقة صغيرة سهلة الإحتواء والسيطرة، غير قادرة على التقدّم والتطور، والأمثلة على ذلك كثيرة.
و ليس جديدا إعادة القول بأن سوريا حلقة من الحلقات ستلحقها حلقات أخرى ،و هو ما يدعو الدول العربية إلى التنبه ممّا هي سائرة فيه ،و مراجعة سياساتها لتجنّب كوارث التفرقة و التبعية والتخلّف.