في حدود المراجعات الفكرية لتنظيم الإخوان المسلمين

أصدر المكتب العامّ لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين مؤخرا وثيقة تقييمية لأدائه خلال مرحلة مسار الانتقال الديمقراطي.ويتنزّل هذا الجهد التقويمي وإن أتى متأخرا، في إطار «سبر أغوار الماضي واستشراف المستقبل» للاعتبار من الأخطاء والهفوات وتدارك الأمر قبل فوات الأوان.

ولئن كانت المراجعات تقليدا دأبت عدّة تنظيمات على القيام به ومارسه بعض «علماء القاعدة» وقياداتها فإنّ ما يسترعي الانتباه في هذه الوثيقة التي استأنست بتصورات ذوي الاختصاصات المختلفة هو الآتي:

- إقرار الجماعة بممارسة الإقصاء داخل التنظيم وذلك باختيار بعض الرموز لتولي المناصب واستبعاد عناصر أخرى قد تكون أكثر كفاءة كما أنّ الجماعة أقصت فئات من خارج التنظيم (الأقباط، العلمانيون...)

- اعتراف الجماعة بأنّ التركيز على العمل الدعوي الخيري من أجل توسيع قاعدتها السياسية قد أدّى إلى تفشي البراغماتية، أي ظهور شرائح تنتفع بالخدمات ولا تؤازر الإخوان في تحركاتهم، وعلى هذا الأساس كان هؤلاء مخطئين في تقديراتهم. ولذا يتعيّن عليهم في المستقبل الاقتراب من ‘فئات كثيرة ... والتعامل معها بشكل أعمق وربط علاقات مع «كيانات مجتمعية» أخرى حتى وإن تصادمت مبادئها مع الجماعة. وهذا يعني اتخاذ الإخوان من هنا فصاعدا البراغماتية السياسية مبدأ والعدول عن إظهار رفضها لبقية الفاعلين.

- تقرّ الجماعة بأنّها لم تكن مستعدة للحكم وذلك بسبب تقصير المنظّرين وغياب تصوّر سياسي دقيق لإدارة المرحلة وعدم التعويل على «المناورة» و«استغلال الفرص» وإحكام صياغة الخطاب السياسي في الإعلام. فقد ظلّت ثقافة القيادات السياسية متكلسة بسبب قبول الجماعة أن تكون ملفا أمنيا لا حزبا سياسيا معارضا له «جاهزية» وبدائل ومشروع.

- تعترف الجماعة بأنّها لم تحقق التراكم المعرفي في عدة فروع معرفية ولم تحيّن أدبياتها ولم تلجأ إلى مراكز البحث المتخصصة والاستعانة بالخبراء الأجانب على غرار حزب النهضة الذي آمن أنّ نجاحه رهن الامتثال لأوامر الخبراء وهم: الأمريكيون والبريطانيون الذين كانوا في نظره «أعلم» من أبناء البلد.

يُحسب للجماعة قيامها بهذه المراجعات وعيا منها بإكراهات الواقع أو إذعانا للضغوط أو تكتيكا سياسيا.. ويحسب لها أيضا دعوتها جميع المهتمين بالحركات الإسلامية تقديم النقد البناء. في حين أنّ حزب العدالة والتنمية المغربي لم يكترث بالتقويم ولم يتزحزح عن تلك النظرة الاستعلائية الوثوقية . أمّا حزب النهضة فلا نشكّ أنّه قام بالمراجعات ولكنّ نشر التقرير يظلّ أمرا عسيرا لأنّ التراتبية الهرمية ترسّخ مبدأ احتكار القيادات «المعرفة بحقيقة الوضع».

بيد أنّ مسار اعتراف الإخوان بالأخطاء يبقى محدودا في اعتقادنا ، شكليا لا ينفذ بعمق إلى البنية الذهنية. فالجماعة لم تعترف بموقفها من العنف واتخاذه وسيلة لتحقيق التغيير أو طريقة للتعبير عن الحنق،كما أنّها لم تعترف بأنّ مشروع الأخونة والاستحواذ على المناصب حقيقة لا مرية فيها وإنّما اعتبرت ذلك «حملة مدبرة» و«اتهامات».يضاف إلى ذلك تغييب التقرير للبعد الجندري فقد بقي الطرح السياسي مرتكزا على الذكور وكأن النساء لم يشاركن في بناء الجماعة ولم يساهمن في مسار «التمكين»، و«التدافع»، وهو أمر ينمّ عن قصور في مستوى فهم المواطنية التشاركية وما تقوم عليه من قيم ومبادئ.

والغائب أيضا في هذا التقويم هو الاعتراف بأنّ الجماعة بقيت علاقتها بالثورة متوترة تنوس بين الدعم والتنصلّ من تبعات هذه الحركة الثورية...وهو ما جعل رموز الثورة الشبابية يغيّرون موقفهم من قيادات التنظيم.

وبصرف النظر عن حالة «النكران» وعسر الاعتراف بالأخطاء الكبرى والتشرذم الحاصل في صلب التنظيم وعسر تحقق الإجماع حول هذه المراجعات فإنّ «التقرير» يعجّ بكلمات من قبيل «الاستحواذ» ، و«الاستغلال» و«انتهاز» و«استثمار» الفرص، «إحكام السيطرة»، «الانتشار الطولي والعرضي»... فهل يستمرّ نظر الجماعة إلى الحكم على أساس أنّه الغنيمة ، والتعامل مع الوطن على أنّه أرض تغتصب خيراتها لتنعم بها فئة على حساب فئات أخرى؟ وهل ثمّة مجال للتصالح مع الزمن أم أنّ التقييم يشدنا إلى الماضي ويرفض استشراف المستقبل؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115