تجربة البطالة مرّة كالعلقم لا فقط لأنّ صاحبتها أو صاحبها لا يجد في حالات كثيرة الظروف الملائمة لحياة آدمية ولكن الأصعب فيها والأعسر على النفس هو الشعور بالخواء وبأن جهود السنين الطوال قد ذهبت هدرا وبأن الفرد لا قيمة ولا اعتبار له..والأخطر في البطالة هو الأفكار القاتمة عن النفس والآخرين والتي لا يمكننا التخلص منها إلا بسلوكيات فيها تماس مع الموت والعدم..
لن يفهم حقيقة البطالة وضيق الأرض المحيط بصاحبها إلا من خبرها..فالبطالة ليست أرقاما ومعطيات إحصائية..إنها عندما تستفحل وتتجاوز زمن الانتظار المعقول تصبح مأساة يومية وسجنا يخيل إلينا بأنه قضاء محتوم لا ردّ له..ولكن قد نعيش تجربة البطالة والعطالة ثم عندما نتمكن من الخروج منها سرعان ما ننساها أو نتناساها ونبني حياتنا ما بعدها على انقاضها وخاصة عندما نحقق في حياتنا المهنية والعائلية بعض النجاحات التي كنا نمني بها النفس.. ولكن لا مراء بأن البطالة التي عاشها عدد هام من الكهول والشيوخ اليوم لا علاقة لها البتّة بهذه البطالة المزمنة التي أضحت تهدد أعدادا متزايدة من خريجي التعليم العالي ومن غيرهم من مواطنينا..
فكثافة هذه الظاهرة لم تعرفها تونس إلا في 15 سنة الأخيرة..فالبطالة المزمنة زمن شبابنا لم تكن تستهدف في الأغلب الأعم إلا من دفعت به ظروف الحياة القاسية مبكرا خارج المدرسة وأسوار الجامعة..
أردت من خلال هذه الكلمات أن أقول لكل عاطلة وعاطل عن العمل بأنني كنت في فترة ما من شبابي كما أنتم اليوم وحتى إن كان الوضع غير الوضع وانه لا وجود لحالات عامة لا عند العاطلين عن العمل ولا عند غيرهم ولكن التجربة الإنسانية بحلوها ومرها فيها من الوشائج ما يجعل كل فرد فينا، إذا ما أصغى جيدّا لذاته العميقة، قادرا على فهم وتفهم الآخر أيّا كانت غيريته الاجتماعية والفكرية والجندرية والجيلية..
ليست لدي حلول ولست مؤهلا لإعطاء الدروس لأحد..ولكن رغبة في التواصل مع من يمثل مستقبل البلاد رغم قساوة الأيام وظلم ذوي القربى..
البطالة ليست شرا كلّها ..قد يكون هذا الكلام مستفزا للعديدين منكم..ولكن.....