ولكن في اتجاه مخالف تماما حتى في مشهدية السلطة وتداولها..
لا أحد كان يتصور أن هذا الثري المشاكس والخارج عن كل نواميس النخب السياسية والفكرية والثقافية والإستراتيجية المهيمنة على مراكز القرار والنفوذ في بلد العمّ سام.. قادر على الفوز على مرشحة جل النخب الأمريكية بما في ذلك عند جزء من حزبه، الحزب الجمهوري. ولكن ترامب فاز رغم كل التوقعات ورغم سلطة الاعلام وسطوته.
لقد شدّ دونالد ترامب انتباه العالم كله ووتر أعصاب جلّ النخب الكونية..
ولكن هذا الثري المدافع عن «الشعب» المتروك في وجه «النخب» المعولمة ورغم كل الفظاعات التي أتاها قولا أو فعلا قد انتصر لا فقط على منافسته هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي بل انتصر أيضا على كل نخب بلاده..باستثناء بعض نخب المال والأعمال..
لقد أربك ترامب خلال الأسابيع الماضية جلّ قيادات الدنيا في أوروبا والصين وأمريكا اللاتينية وبعض دول الخليج أيضا.. وحده بوتين مستبشر مؤقتا، بترامب وكذلك القيادة السياسية الجديدة في انقلترا التي تعول على عقد اتفاق تجاري مميز مع الولايات المتحدة..
في خطاب استلام السلطة يوم أمس ردّد ترامب ما كان يقوله خلال حملته الانتخابية : الأولوية الأولى والأخيرة هي لأمريكا ولشعبها ولشغاليها..
و أنّ معه سينتهي حكم النخب المتنفذة والمعولمة وسيرد الحكم للشعب وأن أمريكا ترامب ستقطع مع حماية حدود الدول الأجنبية وإثراء اقتصادياتها..أمريكا ترامب ستحمي حدود أمريكا وشغل الشعب الأمريكي وثراءه ورخاءه..وهي لهذا ستعيد النظر في كل الاتفاقيات متعددة الأطراف التي لا تراعي هذه المصالح..
إنّه خطاب القطيعة مع العولمة النابع من قلبها وفي مركزها الأمّ..
إنها ثورة شعبوية شبيهة ، إلى حد ما، بما حصل أثناء الحملة الانتخابية في المملكة المتحدة حول الخروج من الاتحاد الأوروبي ..ولا تبتعد كثيرا، في المضمون، عمّا تعيشه روسيا مع بوتين وتركيا مع أردوغان..
لو افترضنا إمكانية تطبيق كلية لمنهج ترامب في الحكم فسنكون أمام أمريكا منغلقة على نفسها ومطبقة لسياسات حمائية «ڤجمرڤكية» وضرائبية تجعل من سوقها صعبة الاختراق من قبل البضائع الأجنبية أي وضعية شبيهة بسبعينات القرن الماضي..
فأمريكا ترامب ستقدم على إعادة الحياة لقوتها التصنيعية الداخلية بعد ما أصبحت السلع الصينية خاصة تشكل جزءا رئيسيا من استهلاك السوق الأوروبية.. حتى يستهلك الأمريكيون صناعة أمريكية مصنوعة بأيادي الأمريكيين ذاتهم لا المهاجرين السريين المستريبين خاصة من حدودها الجنوبية مع المكسيك.
كما أن أمريكا ترامب لن تعود معنية بتلك الحروب البعيدة عن بلادها وبحماية أمن أوروبا الغربية وخاصة الدول الشرقية فيها.. فالعدو الوحيد لترامب اليوم هو الحركات السلفية الجهادية الإرهابية وكذلك كل تنظيمات الإسلام السياسي من حركات إخوانية وغيرها..
سياسة كهذه، إن طبقت بحذافيرها ستعيد حسابات جيوستراتيجية وتجارية واقتصادية عديدة في العالم..إذ ينبغي أن نعلم بأنه بإمكان الولايات المتحدة أن تستغني عن العالم أما العكس فلا إذ لا وجود لقوة عسكرية أو علمية أو تكنولوجية يمكنها أن تضاهي الولايات المتحدة اليوم كما أن بلاد.....