ولكن برهنت السنتان الأخيرتان كما أظهرت السنوات الّتي سبقت، بأن بين رسم المبادئ وتكريسها بونا شاسعا، وتكون العقبة دائما في التطبيق و على محك الواقع. لذلك لا غرابة ان بقي القضاء على وقع المقولة الشعبية «هز ساق تغرق الأخرى».
ذلك هو حال المجلس الأعلى للقضاء اليوم ، بعد أن وقف مساره في زنقة حادة، و لأسباب في ظاهرها قانونية و لكن في باطنها هواجس سياسية و أخطاء تقديرية .
فالنصوص القانونية رغم مواطن الخلل الّتي تخلّلت بعضها كان بالإمكان التنبّه إليها و تجاوز العقبات الّتي وضعتها. ولكن أدّى اختلاف التصورات إلى الوضع الحالي ، وهو وضع لا يمكن أن يتواصل، ولا مناص من إيجاد حل لتغييره.
هذا القول يتّفق عليه الجميع ولكن يحصل الإختلاف في كيفية التجاوز. فهناك توجهان رئيسيان :
التوجه الأوّل يعتبر أن التطبيق السليم للقانون يقود إلى ضرورة توقيع رئيس الحكومة على أوامر التسميات المقترحة من الهيئة الوقتية للقضاء العدلي ، الّتي مارست صلاحياتها، باعتبار أن تركيبة المجلس الأعلى للقضاء لم تكتمل بعد. ويستندون إلى الفصل 148 من الدستور الذي ينص صراحة على أن الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي تقوم بمهامها إلى حين إستكمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء. و كذلك للفصل 74 من القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 الّذي يقرّ نفس الشيء. ويستند وأصحاب هذا التوجه أيضا إلى الفصل 19 من القانون الأساسي عدد 13 لسنة 2013 المتعلّق بإحداث هيئة وقتية للإشراف على القضاء العدلي الذي ينصّ على أن مهام الهيئة تنتهي بوضع الدستور الجديد ومباشرة المؤسّسة الدستورية المنبثقة عنه والمكلفة بالإشراف على القضاء لمهامها. وبالتّالي يعتبر أصحاب هذا الموقف، أنه طالما لم يقع استكمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء فإن قرارات الهيئة الوقتية تبقى فاعلة حتّى وإن تمّ انتخاب أعضاء المجلس الأعلى. وانطلاقا من هذا الموقف فإن أصحاب هذا التوجّه يرون أنّه من غير الممكن الدعوة إلى انعقاد أول جلسة للمجلس الأعلى للقضاء قبل استكمال تركيبته، وعلى رئيس الحكومة أن يوقّع أوامر التسميات المقترحة «بناء على رأي مطابق من الهيئة..»
التوجه الثاني مؤسّس على عملية انتخاب المجلس الأعلى للقضاء والإعلان عن نتائج الانتخابات بعد البت في الطعون، وعدم تعطيل المرفق......