المخاوف بخصوص نجاح تونس وحكومة الحبيب الصيد في وضع السياسات العمومية الملائمة للتمهيد لنمو إدماجي يستجيب للتحدي الأكبر: تشغيل الشباب وإدماج أفضل للجهات الداخلية في عجلة التنمية...
هذه بعض الرسائل التي أضحت علنية مع الحوار الذي أدلى به الممثل المقيم الجديد للصندوق بتونس السيد «روبار بلوتوفوقال» في حوار أدلى به نهاية الأسبوع الفارط لوكالة فرنسا للأنباء...
ما لفت انتباه العديد هو عنوان الحوار «على تونس أن تراجع منوالها التنموي» ولكن هذه المراجعة لا كبير علاقة لها بما تطالب به بعض قوى المعارضة في بلادنا بل لعله على نقيضها تماما..
الرسالة الثانية للصندوق، والتي لم يعلن عنها ممثله المقيم بتونس، هي عدم فهم الجهات المقرضة لتونس الضعف الكبير لاقتصادنا في استيعاب الأموال التي رصدتها له جملة من المؤسسات الدولية في إطار تمويل مشاريع تنموية مما يدل على أن الأموال متوفرة ولكننا غير قادرين على استعمالها بالسرعة المطلوبة والمقررة في الشراكات الثنائية التي تربطنا بهذه المؤسسات وهذا يعني أننا أمام تحدي ضخم لإصلاح ترسانتنا القانونية، وخاصة العقارية منها، وكذلك إكساب النجاعة للإدارات الوطنية والجهوية الساهرة على تنفيذ هذه المشاريع..
هنالك تخوف آخر أعرب عنه ممثل صندوق النقد الدولي وكذلك كل كبار شركاء تونس وهو عمق وامتداد الاحتجاجات الشعبية في جانفي الفارط والتي تمثل حسب رأيهم أهم وأخطر حركة احتجاجية منذ الثورة وهي تؤشر كذلك على التأخر الكبير في الاستجابة لمطالب الشباب والجهات في الشغل. وتزداد هذه المخاوف خاصة عندما نعلم أن المؤشرات الأولى لسنة 2016 لا تفيد بأن البلاد قد استعادت عافيتها وأنها خرجت من النمو الهش الذي ميّز سنواتها الأخيرة..
ولكن تبقى الرسالة الأهم لصندوق النقد الدولي تلك التي أكدتها مديرته العامة كريستين لاڤارد منذ أشهر في تونس وهي أن نسبة التأجير العمومي قد بلغت أرقاما قياسية لم تعد تطاق.. وقد كان هذا قبل إمضاء الحكومة على الزيادات الأخيرة مع اتحاد الشغل وكذلك مع النقابات الأمنية..
كتلة أجور الوظيفة العمومية أصبحت تمثل عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة وهي تعيق تحركها في اتجاه التمويل الضروري للتنمية في الجهات الداخلية... وهذا ما يتطلب، حسب الصندوق، قلبا كاملا للتوجه ولكن هل بإمكان هذه الحكومة، أو غيرها، أن تقوم بهذا؟
لا نعتقد أنه أمامنا مجال جدي لمراجعة حجم سياسة التأجير العمومي ذلك أن الدولة التونسية قد التزمت بمسائل عدة من بينها مواصلة الانتدابات في قطاعات معينة (كالجيش والأمن مثلا) وكذلك الاتفاق مع اتحاد الشغل حول الزيادة في التأجير إلى حدود سنة 2018 وهذا يعني أنه من شبه المستحيل الحد من نسبة التأجير العمومي في الميزانية إلا إذا ما ازدادت واردات الدولة من المداخيل الجبائية وغير الجبائية ولكن ذلك يستدعي أحد أمرين: إما إقحام ملموس للاقتصاد الموازي في الاقتصاد المنظّم أو تحقيق نسبة نمو مرتفعة وهذا من المستبعد أن يحصل هذه السنة أو التي تليها..
الجديد اليوم هو أن «نصائح» أو «انتقادات» المؤسسات المالية العالمية لم تعد محصورة في الاجتماعات المغلقة بل أصبحت علنية وكأن هذه الجهات تخشى من إخفاق محتمل للتجربة التونسية لأنّه سيكون إخفاقا لها أيضا لأنها راهنت عليها ولم تبخل، من وجهة نظرها، على دعمها..
ويبدو أن المؤسسات المالية الدولية وكذلك كبار شركاء تونس قد بدؤوا يشكّون في قدرة الحكومة التونسية على التوفيق بصفة إيجابية بين ضغوط أجراء الوظيفة العمومية والمحافظة على التوازنات العامة للدولة وتسريع الإنجاز العمومي وتنمية المناطق الداخلية خاصة أن الانطباع العام هو أن حكومة الحبيب الصيد رغم إقرارها ببطء الإنجاز إلا أنها تصر على «نصف الكأس الملآن» وأنه ليس بالإمكان أبدع مما كان...
كل هذا ينبئ بحوار صعب مع صندوق النقد الدولي.. حوار قد يكون فيه الصندوق أقل «تفهما» لإكراهات حكومة الصيد..
قضية للمتابعة..