و لكن كان للهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي أو لرئيسها رأي آخر ، فبدل التعجيل بالدعوة لإنعقاد المجلس الأعلى للقضاء كان الخيار تأجيل الدعوة و مواصلة إتخاذ قرارات تتعلّق بإجراء حركة جزئية و إقتراح تسميات لا تزال على مكتب رئيس الحكومة السيد يوسف الشاهد في انتظار الإمضاء .
هذا التأجيل أُعتبر محسوبا و غير بريء ،و أنه كان برغبة من السيد خالد العيّاري الرئيس المتقاعد لمحكمة التعقيب و رئيس الهيئة الوقتية للقضاء العدلي و الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين ، الّذي رغم بلوغه سن التقاعد ، كان يسعى لضمان التمديد له في المباشرة ، و ذلك بفرض أمر الواقع، مع التعويل على «الوعود» الّتي ذكر أنه تحصّل عليها للبقاء في منصبه .
الوعود و الضغوطات الّتي تمّ التصريح بوجودها كانت محل مجادلة بين السيد خالد العياري و السيد غازي الجريبي وزير العدل ، ما كانت أن تحصل . و لكن مهما كان الأمر فإن عدم التمديد للسيد خالد العيّاري ما كان ليثير حفيظته و الحال أنه توّج مسيرته القضائية في مراكز على درجة كبيرة من الأهمية ، حسده البعض عليها ،لإعتباره شخصية ذات كفاءة عادية و ليس ألمعيا في مختلف المجالات القضائية الّتي باشرها طوال مسيرته المهنية .
لا شك أن ترشيح بعض القضاة السامين في مواقع جديدة شكّل و قد يشكّل مطبّا غير محبّذ ،و عدم تثبيت المقترحات بإمضاء رئيس الحكومة عليها ، سيعيد الأمر للمجلس الأعلى للقضاء بعد إتمام إجراءات تشكيله ،لتقديم مقترحات أخرى . هذا المأزق الأوّل قابل للتجاوز خاصّة إذا أخذنا بعين الإعتبار مقتضيات القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 الّذي يتيح للهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي والمجلس الأعلى للمحكمة الإدارية والمجلس الأعلى لدائرة المحاسبات مواصلة مباشرة مهامهم إلى حين استكمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء بهياكله الأربعة وإرسائه (الفصل 74 ) .
إن شرط إستكمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء بهياكله الأربعة و إرسائه ، هو السند القانوني الّذي قد يكون وراء التعيينات الأخيرة ، بقطع النظر عن الغايات و النوايا الخفية المتحدّث عنها و الرّامية إلى تغيير سمات تركيبة المجلس الأعلى للقضاء . هذا الشرط لم تعره الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الأهمية اللاّزمة عندما باشرت العملية الإنتخابية للمجلس الأعلى للقضاء دون وجود ترشح عن صنف المدرسين الباحثين في المالية والجباية لعضوية مجلس القضاء المالي .
و رغم أن الهاجس في الإسراع في إنتخابات المجلس الأعلى للقضاء و راءه هاجس «الاسراع في تعيين أعضاء المحكمة الدستورية بهدف تدارك التأخير في تحقيق الآجال الدستورية لتركيز دولة القانون» ، فإن غض النظر عن آثار عدم إستكمال تركيبة المجلس الأعلى للقضاء ، لا يبرّر الإسراع و ترك ثغرات يمكن الإستناد عليها ، خاصّة إذا علمنا أن إستكمال التركيبة يقتضي انتظار اجتماع مجلس القضاء المالي الذي سيعاين الشغور و بعد إعلام الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات به ستشرع في عملية سد الشغور.
مهما كانت التبريرات القانونية والواقعية ، فإن مأزق كيفية دعوة المجلس الأعلى للقضاء يبقى قائما ، طالما لم يقع حل إشكال مقترحات التعيينات الأخيرة ، خاصّة و أن الأمر لا يتوقّف على تثبيت مقترح رئيسة جديدة لمحكمة التعقيب ، بل على مقترحات أخرى لها تأثير في تركيبة المجلس المنتظر . و لا يُستبعدُ أن يضطرّ السيد يوسف الشاهد إلى تثبيت مقترحات الهيئة الوقتية للقضاء العدلي ، أو البحث عن حل قانوني يراه البعض في تعيين المجلس الهيئة الوقتية للقضاء العدلي لرئيس مؤقت تنحصر مهمّته في دعوة المجلس الأعلى للقضاء للإنعقاد أو اللّجوء إلى القضاء الإداري لإتخاذ الموقف المناسب لحل هذا الإشكال. إشكال سبقته العديد من الإشكاليات ، جعلت المجلس الأعلى للقضاء المنتظر يقف على الدوام «على كف عفريت» لا أحد يستطيع أن ينكر أن وراء ذلك هواجس سياسوية أو سياسية بخصوص سلطة القضاء الّتي لم تعرف كيف تعالج شأنها كما ينبغي .