لقاء «بوسان» بين ترامب وشي جين بينغ: نهاية القطب الواحد وإعلان الصين كقوة عظمى

في البيان الرسمي الصادر عن وزارة الخارجية الصينية

يوم أمس إثر لقاء الرئيسين الصيني والأمريكي، وردت عبارة حملت بين طيّاتها إعلانًا عن تحول في المشهد الدولي، ونهاية عصر القطب الواحد من وجهة نظر صينية.

وعبرت عنها في جملة وحيدة كانت تحمل المعنى الأعمق لهذا التحول: «يمكن للصين والولايات المتحدة أن تتحمّلا معًا مسؤوليتهما بوصفهما دولتين كبريين (وهو الرديف الصيني لمفهوم القوتين العظمتين)، وأن تعملا لصالح العالم بأسره.» جملة تبدو دبلوماسية للوهلة الأولى، لكنها في جوهرها إعلان عن ميلاد مرحلة جديدة في النظام الدولي، مرحلة ما بعد القطب الواحد. فالصين، التي كانت تزن كلماتها طويلاً خشية استفزاز القوة الأميركية، اختارت أن تُعلن بندّيتها في لقاء خصص لخفض منسوب التوتر وإعادة العلاقات الثنائية إلى ما قبل الصدام.

فالصين التي تحدثت من بوسان (كوريا الجنوبية) بثقة من يعرف أن الزمن صار في صفة، جعلت من اللقاء الذي سوق له الرئيس الأمريكي على أنه نصره ونجاحه، منصة لإعلان نفسها قوة عظمى لا قوة صاعدة، وأنها، بعد مرحلة اختبار حدود الرد الغربي، سواء بعد الحرب التجارية التي خضتها الإدارة الأمريكية ضدها منذ عهدة ترامب الأولى إلى اليوم أو ردود الفعل الغربية على جملة من القرارات والخطوات، جمع بينها أمر وحيد، وهو تعزيز تموقع الصين التي أعلنت منذ أسابيع عن ولايتها القضائية الدولية.

الصين وزعيمها شي جين بينغ المعروف بخطابه الهادئ قدّما نموذجًا مغايرًا في فهم القوة. إذ عوضًا عن استخدام خطاب استعراض القوة قدما سردية حضارية واقتصادية متماسكة تروج لاقتصاد يشبه بـ«المحيط الواسع، الكبير والمرن»، تشبيه يختصر فلسفة بجين وكيف تعرف نفسها اليوم، المحيط لا يحتاج أن يثبت عمقه فوجوده ذاته إثبات.

اللقاء في بوسان لم يكن مصالحة بقدر ما كان ترسيمًا لواقع جديد عنوانه الأبرز أن ميزان القوة العالمي يدخل طورًا جديدًا. فالصين، التي أعلنت في 1978 عن بداية «قرن النهضة» الذي راهنت عليه ليمحو ما يعرف في الصين بـ«قرن الإهانة»، اختارت في 30 أكتوبر 2025 أن تُعرّف نفسها كقوة عظمى مكتملة الأركان، تقف على قدم المساواة مع الولايات المتحدة، لا في الخطاب فحسب، بل في هندسة النظام الدولي المقبل.

فبتلك العبارات البسيطة - الواردة في البيان - في ظاهرها إعلان رسمي عن نهاية مرحلة القطب الواحد، وبداية زمن تعدد الأقطاب، فالصين التي كانت تتحاشى سابقًا أي خطاب يوحي بالمقارنة مع القوة الأميركية، قررت أن تتحدث بثقة القوة المتحققة، ولكن مع ذلك تحركت براغماتية.

فكل ما احتاجته الصين هو أن تقدّمت بعض التنازلات المحسوبة في ملفات فول الصويا والمعادن النادرة، مانحةً لترامب ما يمكنه تسويقه سياسيًا في الداخل الأميركي على أنه مكسب ونصر، لتمرير إعلانها الذي سيعيد تشكيل العالم. فما غنته الصين هو الاعتراف الضمني من واشنطن بأن العلاقة مع بكين لم تعد بين مركز وأطراف، بل بين قوتين تتفاوضان لتجاوز خلافاتهما، كانت تلك صفقة الصين الناجحة، فمقابل دفع ثمن تجاري كسبت الصعيد الاستراتيجي، وتحوّلت من «شريك اقتصادي» إلى «ندّ دولي».

بهذا المعنى، كان لقاء بوسان ترسيمًا ناعمًا لواقع جديد أكثر منه محاولة مصالحة. فالصين لم تعد تخشى مواجهة واشنطن على مستوى المكانة الدولية، لكنها أيضًا لا تسعى إلى صدام مباشر. إنها تختار أن تطرح مفهوم التسيير المشترك. وهنا يكمن التحول، فالعالم دخل مرحلة لا هي حرب باردة جديدة، ولا استمرار لهيمنة مطلقة

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115