نجيب محفوظ أو مصطفى المنفلوطي ... في أفعالهم وسلوكهم وأقوالهم.ومما لاشك فيه أنّ السينما والمسرح وغيرها من الفنون وفرت نماذج أخرى فصار الواحد يمني النفس بأن يكون مثل عبد الحليم أو رشدي أباظه أو عمر الشريف وغدت الواحدة تقلد فاتن حمامة أو هند رستم أو سعاد حسني ...
ولأنّ لكلّ جيل نماذجه القيادية وشخصياته المعيارية فإنّ شباب وشابات القرن العشرين لم يتوانوا عن الحديث عن الشخصيات المحببة إلى نفوسهم /هن ساعين إلى محاكاتها Sylvester Stalloneو Roger Moore و Al Pacino و Michael Jackson وشيئا فشيئا نافس المهاجر إلى الخارج هذه الشخصيات الفنية والأدبية والعلمية فبات القوم ينظرون إليه على أساس أنّه رمز النجاح فهو الذي سرعان ما عاد محمّلا بالهدايا والممتلكات ليقود سيارته بكل فخر واعتزاز متباهيا بما حققه من مكاسب.
ولكن المنصت إلى شبان «الثورات والانتفاضات» سرعان ما ينتبه إلى التحوّل الطارئ على مستوى النماذج القيادية والقيم التي تروّج لها. فإلى جانب الحالمين بمستقبل فني زاهر وعدتهم به برامج Arab Idol ,The Voice وغيرها حضر أنموذج «الحراقة» ليزاحم الفنان فلا عجب أن غادرت الجموع البلاد بعد سقوط رأس النظام. ومع تأزم الأوضاع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا هيمنت نماذج جديدة على متخيل فئة من الشبان : أبو القعقاع، وأبو عياض وأبو المهاجر وأم براء، وأمّ سلمة ... وبات الأمير والقيادي والمخطط والرأس المدبر نماذج تغري المنسيين والمهمشين وتحفزهم على تغيير حياتهم.
غير أنّ المتابع لحوارات الشبان المقيمين قرب المناطق الحدودية إن كان ذلك في الشمال أو في الجنوب ينتبه إلى أنّ المهرب «الكناتري» صار يمثّل الأنموذج بامتياز لِمَ لا وهو «يلعب بالأموال لعب» يشتري الذمم ويحقق أحلامه بيسر دون عناء ودون أن يحتك بالجماعات المقاتلة.إنّه عنوان الإثراء السريع له أتباع وموظفون وله لغة خاصة تتداول بين صبيانه والمتعاونين معه.
تتيح لنا هذه النماذج الجديدة طرح مجموعة من الأسئلة:ما الذي جعل هذه النماذج تتحوّل إلى شخصيات قدوة؟ ما الذي تسبب في تحويل موقع هذه النماذج: من موقع سلبي منفّر إلى موقع متميز يحفّز على المحاكاة؟ لِمَ أضحت هذه الشخصيات مهيمنة على عقول الشبان الراغبين في الخروج من البؤس والإحباط وتغيير أوضاعهم ؟ لم عجزت شخصية العالم والأكاديمي والسياسي عن التأثير في الأجيال الجديدة ؟
لا مجال للتعمق في هذه الظاهرة دون الرجوع إلى المتخصصين في مجال الإنسانيات فهم القادرون على تحليل أسباب الانجذاب وتفكيك البنى النفسية والذهنية.....