اتحاد الشغل يُعلن عن موعد مؤتمره: إعادة ترتيب البيت والتموقع في المشهد

بإعلانه عن تحديد موعد المؤتمر القادم، يكون الاتحاد العام التونسي للشغل

قد فتح رسميًا باب المرحلة الانتقالية داخل المنظمة، وهي مرحلة ستتسم على الأرجح بمزيج من إعادة ترتيب التوازنات الداخلية وتجميد مؤقت لوتيرة تاثيرها في المشهد الوطني، باعتبار أن المؤتمر القادم لا يُفهم باعتباره استحقاقًا تنظيميا فقط بل هو محطة سياسية ستحدد ملامح الدور القادم للاتحاد، سواء داخل ساحته النقابية أو في علاقته بالدولة والسلطة والمجتمع.

منذ أشهر، شهدت الساحة النقابية صراعا غادر مربعات الصمت وبات معلنا سواء داخل أجهزة المنظمة وهياكلها او في الاعلام وفي الفضاء العمومي حيث برزت تيارات متباينة حول كيفية الذهاب الى المؤتمر القادم، الذي سيكون حسم موعده قد وضع حدا لتجاذب اتخذ عدة عناوين تتقاطع كلها في انها تتمحور حول المؤتمر وكيفية الاستعداد له. وقدتقرر أن يكون مؤتمرا عاديا ايام 25 و26 و27 مارس 2026.

ويبقى الوجه الآخر للصراع حول الرؤية والاستراتيجية في ما يتعلق بالدور السياسي للاتحاد، والتي يبدو انها ستستمر في التباين وستلقي بظلالها على المؤتمر في ظل بروز وجهتي نظر صلب الاتحاد الذي باتت هياكله تتجادب بين توجهين، الاول قد يختزل من قبل البعض في القول بانه التيار الذي يسعى إلى التصعيد في وجه السلطة تحت عنوان «الدفاع عن المكاسب الاجتماعية والديمقراطية» ، وآخر يفضل التهدئة مع تركيز الجهد على الملفات النقابية الخالصة، حتى وإن كان المشهد اكثر تعقيدا ولا يختزل في هذه المقولات الجاهزة.

يعكس تموقع المكتب التنفيذي للاتحاد حجم التباين الداخلي في تقييم المشهد السياسي وفي اتخاذ اي خيار حاسما، يمكن القول انه يتنزل بين منزلتين يبينهما خطابه الصدامي ذو اللهجة التصعيدية وتبينه تحركاته التي تعكس تردده في خطواته خشية ان يتصدع البيت الداخلي ويتشظي. ذلك ما يسوق في كواليس الاتحاد من حجج ومبررات لتاجيل حسم عدة ملفات داخلية في علاقة بالمؤتمر ، او وطنية في علاقة بالتطورات وبالجفاء المتصاعد بينه وبين السلطة التي باتت تتجاهله كليا.

اليوم، بإعلان الاتحاد عن موعد مؤتمر يكون قد اتخذ خطوة اتجاه تخفيف حدة الصراع الداخلي الذي بلغ حد مطالبة الاتحاد الجهوي بصفاقس باعفاء الامين العام وابعاده عن المشهد والدفع بهياكل الاتحاد لتدخل في ما يمكن اعتباره مزجا بين امرين، الاول الاستعداد التنظيمي والاجرائي للمؤتمر والثاني الدفع بالنقابيين الى مرحلة يمكن وصفها بـ«التأمل الداخلي»، والذي قد يعني ضمنيا ان الاتحاد قد ينكفئ الى بيته الداخلي ويخفف من التعاطي مع الشان العام الا في ما يتعلق بالملفات الكبرى والعاجلة، وذلك بهدف حسم التباين والتوصل الى حسم المقاربة السياسية والنقابية التي ستعتمدها القيادة القادمة حين تعود إلى الساحة الوطنية.

هذه المرحلة يمكن اعتبارها «اعادة ضبط تنظيمي» تبين ان الخطوة التي اتخذت من قبل الهيئة الادارية لا تخلو من دلالات، اذ هي تؤشر الى إدراك النقابيين في القيادة المركزية للاتحاد او في القيادات الوسطى لحجم التحديات التي تواجه المنظمة من الداخل: شرخ تنظيمي وإرهاق هيكلي وتجاذبات تهدد وحدة القرار، لم يعد من الممكن السماح باستمرارها وبالتالي ضرورة حسمها ضمن الاطار العام الذي وضعه الحبيب عاشور «سلامة الشقف».

من جهة ثانية، توجد رسالة غير مباشرة بأن الاتحادلا ينوي التصعيد في هذه المرحلة، او الاقدام على اية التزامات سياسية او السعي الى تجميع او تشكيل جبهة مدنية او سياسية، وذلك ما يمكن ان تتلقفه السلطة على انه نوع من «الهدنة التكتيكية». لكن عليها ان تدرك ان هذا الهدوء مؤقت بالضرورة.

المؤتمر القادم حتى وان كان وفق النظام الداخلي للاتحاد مؤتمرا عاديا يحافظ على رهاناته الانتخابية السياسية، الا انه، بالمعنى السياسي العام، استثنائي لانه سيكون محطة لإعادة تعريف تموقع الاتحاد في المشهد التونسي، اذ ينتظر من المؤتمر أن يجيب عن أسئلة كبرى، من بينها هل سيبقى الاتحاد قوة تعديل اجتماعي فقط؟ أم سيعود إلى دوره التقليدي كفاعل وطني جامع؟ هل سيواصل انتهاج سياسة «التحفظ الحذر» تجاه السلطة؟ أم سينخرط في جبهة صدام مباشر، خاصة إذا ما واصلت الحكومة تجاهل الملفات الاجتماعية الحارقة؟

الجواب عن هذه الأسئلةليس تقنيا، بل هو سياسي بامتياز، ستبينه تركيبة القيادة الجديدة، التي اذا جاءت معبرة عن خط تصعيدي، فقد يعني ذلك عودة الاتحاد إلى واجهة الصراع الوطني، بوصفه أحد آخر الأصوات المنظمة القادرة على التأثير. و اذا كانت القيادة الجديدة محسوبة على خط التهدئة، قد نشهد مرحلة جديدة من «الحياد النقابي» الذي قد يفهمه البعض انسحابا كليا وتطويعا للاتحاد او سيفهمه البعض الآخر عودة إلى العمل النقابي الخالص.

بين تاريخ اليوم وتاريخ المؤتمر، ستدخل المنظمة مرحلة الانشغال بأولوياتها الداخلية، دون أن تغيب تمامًا عن المشهد. وسيقف الكثير على مدى قدرة القيادة الحالية على إدارة هذه المرحلة دون خسائر كبرى، وعلى مدى وعي الدولة بأن هذا الفراغ النسبي في موقع الاتحاد، لا يعني بالضرورة غياب الرقابة أو نهاية المساءلة الاجتماعية.

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115