العلاقات التجارية والاقتصادية التونسية الصينية: كيف نستفيد من الفرص؟

في حوار أدلى به سفير جمهورية الصين لدى تونس، وان لي، لوكالة تونس إفريقيا للأنباء،

أشار إلى أن العلاقات التونسية الصينية تشهد آفاقًا جديدة واعدة، ملمحًا إلى أنه ستتوفر في الفترة المقبلة فرص ثمينة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين اللذين يمكنهما أن يتبادلا الاستفادة، وهو ما فرض في الساحة العامة نقاشًا قديمًا جديدًا عن كيفية الاستفادة من هذه العلاقات.

ما حملته تصريحات السفير لا تقف عند الإقرار بأن تونس، لو أحسنت استغلال إمكانياتها الاقتصادية وفعلت محركات التصدير، يمكنها أن تستهدف السوق الصينية ذاتها وهي التي تشهد ارتفاعًا في الطلب على المواد والخدمات عالية الجودة، بل ويمكنها أن تُغري المستثمرين الصينيين لنقل جزء من استثماراتهم إليها.

زيادة على ما اعلنه السفير، يرغب جزء من الشركات الصينية في الاستثمار بتونس، وهو في ذلك لم يجانب الصواب. ذلك ان الموقع الاستراتيجي لتونس، يكشف عن قدرتها على أن تكون منصة تصنيع وتصدير سلع وبضائع وخدمات للأسواق الأوروبية والأفريقية، مستفيدة من العامل الجغرافي ومن شراكاتها البينية أو اتفاقياتها مع تكتلات إقليمية.

الموقع والاتفاقيات التجارية يغريان أي مستثمر صيني يريد أن يجتاز حزمة من العقبات والتعقيدات التي تواجه بضاعته قبل دخولها للسوق الأوروبية بالأساس، كما أنه يندرج ضمن التصورات الاستراتيجية للصين في علاقة بانتشارها ومجال نفوذها في العالم، والذي صيغ في علاقة بقراءتها للمخاطر المحتملة التي تهددها وتهدد حركة البضائع في المحيط الهندي والممرات المائية التي تفصل بين الصين وعدد من أسواقها الرئيسية، أي أن الصين تتعاطى مع تونس في علاقة بالملف الاقتصادي والتجاري من منطلق براغماتي ترغب من خلاله في تحقيق هدفين ليس من بينهما استهداف السوق التونسية باعتبارها سوقًا صغيرة ومحدودة القوة الاستهلاكية. ما ترغب فيه الصين الاقتراب من أسواقها وحماية نصيبها في هذه الأسواق، سواء لإمكانية ظهور منافسين محتملين لها ولمنتوجاتها في المنطقة أو لخشيتها من أن تجد صعوبات في نقل البضائع والسلع في الممرات المائية، وهو ما يمكن أن ننتبه إليه في تونس ونوظفه لتحقيق نفع متبادل.

النفع هنا يتجاوز ما تعرضه الصين، على أهميته، من دعم أو مشاريع وتمويلات أعلنها السفير، وتتضمن مشروعًا صينيًا بقيمة 200 مليون دولار سيتم تنفيذه بحلول نهاية العام لبناء محطتين للطاقة الشمسية والكهروضوئية، أو مشاريع في البنية التحتية أو الإعداد لها على غرار مشروع المدينة الصحية بالقيروان ومشروع تهيئة الحي الأولمبي بالمنزه، حيث قدمت الصين مسودة دراسات جدوى لهذه المشاريع.

استفادة لم تتحقق طيلة العقدين الفارطين، اللذين برزت فيهما الصين كقوة اقتصادية ونجحت في أن تصبح الاقتصاد الأقوى في العالم، مما يمكننا من الاستفادة من إمكانياته وما يوفره من فرص، في علاقة بالتبادل التجاري أو تعزيز التعاون المالي كذلك في جلب استثمارات وتوطين التكنولوجيا والخبرات التقنية في عدة قطاعات اقتصادية.

الرهان على أن نستهدف السوق الصينية، على أهمية السوق وضخامتها وتزايد الطلب داخلها على السلع الفاخرة أو السلع ذات الجودة، لن يحقق أية استفادة كبرى للاقتصاد التونسي إذا لم يكن ذلك مقترنًا بجلب استثمارات وضخ تمويلات في الاقتصاد التونسي، بهدف تحسين إنتاجيته وتنويعها ليكون قادرًا على المنافسة والتصدير.

تحقيق ذلك سيمكن من تحسين علاقتنا التجارية وتعديل الكفة نسبيا، نظرًا إلى أن تونس تستورد سلعًا وبضائع بأكثر من 8.5 مليار دينار تونسي من الصين، في حين لا يتجاوز حجم صادراتها إلى الصين 133 مليون دينار، مما يعني أن محاولة تحسين التبادل التجاري بذات الأداء الاقتصادي الراهن سيكون غير مجدٍ حتى وإن حققنا ما تتنبأ به الدراسات الأكاديمية من إمكانية مضاعفة صادراتنا إلى الصين لتبلغ 600 مليون دينار، باستهداف المنتجات البحرية والنواقل الكهربائية ومنتجات غذائية وفلاحية.

ما نحتاجه لإنعاش اقتصادنا وخلق ديناميكية، جلب استثمارات أجنبية، وإذا اتاحت الصين هذه الفرصة، يجب أن نستغلها جيدًا وأن نستفيد من انضمامنا إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية سنة 2018، وأن نحدث حركية تسمح بمضاعفة الاستثمارات الصينية في تونس، والتي لا تتجاوز 50 مليون دينار كاستثمارات ضختها 19 مؤسسة صينية تنشط في تونس من ضمن 3,700 مؤسسة أجنبية.

هذا يحتم على بلادنا تقديم حوافز استثمارية أكبر لجذب الشركات الصينية وتحسين مناخ الأعمال، إضافة إلى تعزيز التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق من خلال تطوير مشاريع بنية تحتية كبرى، مثل تحديث الموانئ والطرق والمناطق الصناعية، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي الذي يؤهلها لتكون مركزًا لوجستيًا يربط آسيا بأفريقيا وأوروبا، مما يتيح لها فرصة جذب استثمارات صينية أكبر، خاصة في قطاعات النقل والبنية التحتية والصناعات التكنولوجية.

نحن اليوم أمام فرصة استراتيجية يمكن أن نحقق بها مكاسب اقتصادية وتجارية كبيرة، شريطة أن تتم إدارتها بذكاء ورؤية واضحة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115