في ظل الصراع الامريكي الصيني: تونس والفرص الممكنة

شهد العالم يوم الجمعة الفارط حدثًا دوليًا بارزًا تمثل في المواجهة الكلامية الحادة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني زيلينسكي،

والتي انتهت بمغادرة الأخير للبيت الأبيض في مشهد يعكس توترًا غير مسبوق. وبغض النظر عن حدّة الحدث والصدى الواسع الذي خلّفه، فإن الأهم هو دلالاته العميقة التي تشير إلى تحولات كبرى في النظام الدولي ستعيد تشكيل توازناته.

المحرك الرئيسي لهذه التحولات هو الصراع الأمريكي-الصيني، الذي أصبح المتغير الأساسي في إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية. فالولايات المتحدة تتبع استراتيجية واضحة لاحتواء الصين اقتصاديًا وعسكريًا من خلال تحالفات إقليمية وعقوبات تجارية ومساعٍ لعزلها عن شركاء استراتيجيين مثل روسيا. في المقابل، تسعى الصين لتعزيز نفوذها عبر الاستثمارات الضخمة والتقدم التكنولوجي، بالإضافة إلى توسيع تحالفاتها لمواجهة الضغوط الغربية.

في خضم هذا التنافس، أصبحت العلاقة مع الصين إحدى المحددات الأساسية في سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة. فلن تتوانى الولايات المتحدة عن ممارسة الضغوط على حلفائها الأوروبيين لتبني مواقف أكثر تشددًا ضد أي تقارب مع الصين، خصوصًا في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وهذا يضع تونس، لكونها جزء من هذه المنطقة، أمام تحديات تتراوح بين الفرص الاقتصادية التي تقدمها الصين وبين الضغوط الغربية التي قد تعرقل تطلعاتها.

أما بالنسبة لتونس، فإن هذا الواقع الدولي يفرض عليها خيارات استراتيجية دقيقة. اذ توجد جهة، فرص اقتصادية هامة من خلال تعزيز التعاون مع الصين في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة، إلا أن ذلك قد يعرضها لمواجهة غير مباشرة مع التحالف الغربي حيث ان الاتحاد الأوروبي شريكها الاقتصادي الأبرز. فالاتحاد الأوروبي هو سوقها الرئيسية في مجالات التصدير والاستثمار والسياحة، وهو ما يجعل تونس أمام معادلة معقدة بين الاستفادة من الفرص الصينية وتجنب الدخول في الاصطفافات السياسية.

وتتوفر للبلاد هوامش للمناورة وفرص للتحرك بين الاضداد دون ان تصطف او أن تتخد مواقف حادة وصدامية، وذلك عبر توظيف قدرتها على ان تكون مركز لوجستي بين إفريقيا وأوروبا من خلال تطوير بنيتها التحتية، مثل مشروع ميناء المياه العميقة في النفيضة الذي قد يجعلها نقطة محورية في التجارة الإقليمية. كما يمكنها أن تعزز وجودها الاقتصادي عبر التعاون مع الصين في مجالات تكنولوجيا المعلومات والطاقة المتجددة، مما يعزز من قدرتها على المناورات السياسية والاقتصادية.

تونس في هذا السياق، قادرة على التعلم من تجارب دول مثل تركيا والهند، دول نجحت في بناء علاقات اقتصادية قوية مع مختلف القوى الكبرى دون أن تلتزم بشكل كامل بأي محور دولي، بل حافظت على استقلالية قرارها الاقتصادي والسياسي. تونس، رغم أنها ليست لاعبًا رئيسيًا على الساحة الدولية إلا أن موقعها الاستراتيجي في البحر الأبيض المتوسط يجعلها قادرة على استثمار هذه الفرص إذا احكمت إدارة علاقاتها الخارجية.

التحدي الأساسي لتونس اليوم يتمثل في تحقيق التوازن بين استقلالية قرارها الوطني وبين الاستفادة من الفرص الاقتصادية التي توفرها الشراكات الدولية. فاستراتيجية التنوع في الشراكات، مع تعزيز التعاون في إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، قد تكون الحل الأمثل لتعزيز مكانتها الاقتصادية والسياسية على الساحة الدولية.

إن نجاح تونس في هذه المرحلة سيعتمد على مدى قدرتها على استغلال موقعها الاستراتيجي بذكاء وتحويل التحديات إلى فرص حقيقية

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115