تغيير وزيرة المالية: ملف الأملاك المصادرة ومشهدية الإقالة

ببلاغ مقتضب وصور لمراسم أداء اليمين، أعلن الرئيس قيس سعيد عن تعيين مشكاة سلامة الخالدي وزيرة للمالية،

دون الإشارة إلى أية تفاصيل تتعلق بإقالة أو استقالة سلفها سهام نمصية البوغديري، في خطوة مفاجئة ارتبطت بمشهدية لم يعهدها التونسيون في علاقة بمؤسسات الحكم.

مشهدية الإعفاء والتعيين اللتين كشفت عنهما الصور وتسجيلات الفيديو والتفاصيل التي حفت بالعملية برمتها، والتي بدأت بزيارة رئيس الجمهورية إلى وزارة أملاك الدولة ومنها إلى قصر الحكومة بالقصبة فوزارة المالية، بينت ما يمكن اعتباره دوافع قرار تغيير الوزيرة ورسائله السياسية في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد.

«إقالة» كشفتها تسجيلات الرئاسة التي نُشرت على صفحتها على فيسبوك، والتي ظهر فيها الرئيس وهو يؤنب وزيرة المالية السابقة ويسائلها عن مصير ملف الأملاك المصادرة و«اللجنة» المكلفة به وعن أشغالها منذ 2011 وما حققته، لتقودنا كلمات الرئيس إلى استنتاج أن هذه الإقالة تمت على خلفية عدد من الملفات الاقتصادية والمالية التي شهدت تباطؤًا في معالجتها، وأبرزها ملف الأملاك المصادرة.

هذا الملف، يُعتبر من أبرز عناصر خطاب الرئاسة وتعهداتها للتونسيين بأنها ستعمل على ضمان حقهم وصيانته، خاصة وأنها انتقدت في مناسبات عدة طريقة التعامل معه واعتبرت انه شهد إخلالات وتجاوزات في التصرف.

هذا الملف، الذي يشير خطاب السلطة إلى أنه من تركات الماضي ومخلفات سوء التصرف، ظل يراوح مكانه بسبب التعقيدات القانونية والإدارية، فضلاً عن شبهات الفساد التي رافقته. وهو ما انتقده الرئيس بشدة في خطاباته، التي جاء فيها أن بعض هذه الأملاك تم التفويت فيها دون وجه حق بأسعار تقل عن قيمتها الحقيقية، وكيف ذلك على أنه إهدار للمال العام.

نقد الرئيس لإدارة ملف الأملاك المصادرة والأموال المنهوبة وطريقة إدارتها في الحكومات السابقة، ونقده لإدارة وزيرة المالية المنتهية مهامها، يبدو أنه الدافع الرئيسي للإعفاء، إذ يبدو أن عدم إحراز تقدم ملموس في هذا الملف من بين العوامل الرئيسية التي دفعت إلى إقالة نمصية.

لا يبدو أن هذا فقط ما دفع الرئيس لتغيير وزيرة ماليته، إذ إن وزيرة المالية المعينة مشكاة سلامة الخالدي، وهي قاضية عدلية، تولت رئاسة لجنة الصلح الجزائي منذ مارس 2023، وهي تجد نفسها اليوم على رأس وزارة المالية دون أن تكون لها أية خبرة أو أي إلمام بالملفات الاقتصادية أو المالية، مما قد يُفهم على أنه رسالة بأن المرحلة القادمة ستكون قائمة على مقاربة قانونية وقضائية في التعاطي مع الملفات الاقتصادية، خاصة ملف الأملاك المصادرة والصلح الجزائي والأموال المنهوبة.

هذا القرار يعكس رغبة الرئيس سعيّد في توجيه وزارة المالية إلى ما قد يعتبره نهجًا أكثر صرامة في مكافحة الفساد المالي والإداري الذي ما انفك ينتقده ويعتبره مصدر اختلال التوازنات المالية العمومية التي باتت تهدد قدرة الحكومة على تنفيذ ميزانية الدولة وضمان استمرارية الخدمات العمومية بالجودة الكافية.

إقالة وزيرة المالية سهام نمصية، وما رافقها من مشهدية، وما سبقها من تصريحات الرئيس بضرورة الانسجام الحكومي، وتعيين قاضية متخصصة في الصلح الجزائي محلها، يبدو أنها جاءت لتكشف مرة أخرى عن رؤية رئيس الجمهورية في إدارة الشأن العام للدولة ماليًا وإداريًا وقانونيًا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115