وشبكات التطهير والمياه والسدود وغيرها دون الحديث عن التأخر الكبير تسجله بلادنا في تطوير وتحديث جملة من الشبكات كالألياف البصرية على سبيل الذكر لا الحصر .. أما لو تحدثنا على منظومة رفع الفضلات المنزلية وغيرها فنحن ازاء كارثة بيئية وإنسانية تتفاقم يوما بعد آخر دون أن نجد لها حلاّ عمليا الى حدّ الآن .
مرافقنا العمومية من تعليم وصحة ونقل ومنشآت رياضية ليست في أفضل حال ، وهذا ايضا لا يحتاج الى كبير ايضاح اذ يلاحظه المواطنات والمواطنون في كل آن وحين ..
هذا لا يعني أن السلط العمومية مهملة لهذه البنى التحتية ولهذه المرافق العمومية وأنها لا تنفق سنويا أموالا محترمة للتعهد والصيانة .. فهذا موجود وموثق ولا يحتاج بدوره إلى دليل اضافي.
ما الذي يفسر إذن عدم قدرتنا على ايقاف جدي وواضح للعيان لنزيف الاهتراء هذا ؟
الفرضية التي نرجحها هي التالية:
المبلغ الجملي للمحافظة على بنانا التحتية ومرافقنا العمومية على الوضع الذي كانت عليه في السنة الفارطة أرفع بكثير من الاعتمادات التي تخصصها ميزانية الدولة وحتى الهبات والقروض التي تتحصل عليها بعض المؤسسات للصيانة لا تكفي بدورها لإيقاف النزيف والنتيجة المنطقية هي تواصله رغم وجود إنفاق وبرامج عمومية جدية في أغلب الاحيان.
لعله ينبغي أن نضاعف الانفاق العمومي المخصص للصيانة مرتين او ثلاثة لنوقف هذا الانحدار أولا ولنتولى الاصلاح والتجديد والتحديث في مستوى ثان.
لماذا وصلنا الى هذه الوضعية الآن ؟
وهل يمكن أن يفسر هذا فقط بالانفلاتات التي حصلت في العشرية الأولى للثورة ؟ وهل يمكن أن نقول ،كما يقول بعضهم ، أن الثورة هي التي دمّرت البلاد والعباد ؟
لاشك أن صيانة البنى التحتية ومستوى الخدمات العمومية قد تراجع بصفة ملحوظة منذ الثورة،ولكن هذا التراجع لا يعود الى سنة 2011 بل إلى سنوات سبقتها في مجالات عدة بعقدين أو ثلاثة، وقد تعود بعض المسؤولية في هذا الى سوء الحوكمة أو فساد في انجاز بعض الصفقات،ولكن هنالك سبب أعمق وأخطر بكثير : ضعف ثقافة الصيانة والتحسين المستمر في جلّ برامج الانفاق العمومي وذلك منذ بداية الدولة الوطنية بعد الاستقلال، فنحن عندما نرصد مليون دينار لمنشأة عمومية أو لبنية تحتية لا نرصد لها الميزانيات الضرورية الموالية لصيانتها وتحسين جودتها وقد يعود هذا لضعف موارد الدولة ورغبتها في اعطاء الاولوية للانشاء الجديد من بنى تحتية وخدمات عمومية والضغط المشط عل مصاريف الصيانة والتعهد .
عندما ننجز بنية تحتية ما (طريقا فرعية على سبيل المثال) لا تظهر مخاطر غياب الصيانة في السنوات الأولى وأحيانا في العقد الأول وهذا ما قد يعطى الانطباع العام بأن المراحل الاولى لدولة الاستقلال افضل من غيرها من حيث الصيانة والتعهد والحقيقة ليست كذلك دائما نظرا لما اسلفناه سابقا ..
لعله كان من المفروض ان نخصص، مثلا، خمس الانفاق العمومي في البنى التحتية والخدمات العمومية للصيانة والتعهد ولكننا خصصنا منذ عقود %10 أو أحيانا %5 فقط بما جعلنا اليوم عاجزين فعليا على مقاومة هذا التراجع المذهل على أكثر من صعيد.
الحلول موجودة ولاشك ولكن البلاد تحتاج قبل كل شيء الى لوحة قيادة لجملة بناها التحتية وخدماتها العمومية كما تحتاج إلى تقدير دقيق لحجم الانفاق الضروري لإيقاف النزيف وطرق تمويل هذا الجهد الضخم الذي لا يمكن أن تقوم ميزانية الدولة بكامل اعبائه..
لو وقفنا على مثالين فقط وهما حماية تونس الكبرى من الفيضانات ومنظومة شاملة ومرضية بيئيا واقتصاديا لرفع الفضلات (المنزلية والصناعية والخطرة) ومعالجتها .. لو وقفنا فقط عند هذين المثالين لوجدنا انه من العبث الاعتقاد بأن ميزانية الدولة قادرة على انجازهما أفضل انجاز ، ولو اضفنا الى هذين المثالين صيانة المدارس والمستشفيات وشبكات الطرقات والنقل بأصنافه ومنظومة المياه وحماية الشريط الساحلي لوجدنا أن المبالغ الضرورية قد تتجاوز ميزانية الدولة بضعفين او ثلاثة .. الحلّ الوحيد هو ابتكار الشراكات المفيدة والمجدية مع القطاع الخاص المحلي أولا والأجنبي عند الاقتضاء.. وعلى قدر اسراعنا في النهضة ببنيتنا الأساسية ومرافقنا العمومية نتمكن من الارتقاء الاقتصادي والاجتماعي وتحسين جودة الحياة لكل التونسيين.
المعادلة سهلة نسبيا وكل تأخير في المعالجة الجدية سيزيد في ابتعاد هذا الأفق الذي يتوق اليه كل التونسيات والتونسيين : بلاد تحلو فيها الحياة.