تراجع احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي بـ13 ٪: كيف الخلاص من معضلة الديون؟

 

كشفت آخر بيانات البنك المركزي التونسي الصادرة أمس الخميس عن تراجع حجم احتياطيات النقد الأجنبي بـ13 ٪

مقارنة باليوم السابق بعد سداد ديون حلّ أجلها بقيمة 1.8 مليار دولار، لتتراجع عدد أيام التوريد إلى 104 أيام.

هذه البيانات اليومية التي كشفها البنك المركزي أعادت التذكير بالتحدي الاقتصادي والمالي الذي تواجهه البلاد التونسية وماليتها العمومية، لا فقط في علاقة بما يعكسه تراجع الموجودات من العملات الأجنبية وتأثيره على استقرار الدينار التونسي، أو ما يسلطه من ضغوط تضخمية وانعكاسه السلبي على قدرة البلاد على تمويل وارداتها من السلع الأساسية، في ظل انخرام ميزانها التجاري، وما قد يؤدي إليه كل هذا مجتمعًا إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية.

ما أعادت بيانات البنك المركزي التذكير به ملف مديونيتنا الداخلية والخارجية وكيفية التحكم فيها في ظل تسجيل نسب نمو هشة لا تسمح للبلاد بمغادرة مربع أزمتها الهيكلية في هذا المجال، فنحن اليوم إزاء تقاطع جملة من الأزمات أو مؤشرات مصاعب نقبل عليها تتعلق بالتوازنات المالية العمومية وبالموازين الاقتصادية والمالية الكبرى، ومنها المديونية التي ينتظر أن ترتفع مع نهاية السنة بأكثر من 20 مليار دينار تونسي.

هذه الديون (الداخلية والخارجية) التي باتت اليوم تحدد ملامح الاقتصاد التونسي وتحدد وجهته بأشكال وتأثيرات مباشرة وغير مباشرة، كشفت وزارة المالية التونسية في بياناتها عن نسب تطورها في ظل توقع بأن ترتفع من 139.976 مليون دينار نهاية السنة الفارطة إلى 160.000 مليون دينار بحلول نهاية السنة الجارية، وذلك دون احتساب 20.3 مليار دينار خُصصت في قانون المالية لسداد خدمات الدين خلال السنة الحالية.

إذن تواجه البلاد خلال هذه السنة استحقاقات تتعلق بسداد ديونها الداخلية والخارجية التي يمثل حجمها 25 ٪ من نفقات الدولة المرصودة في قانون المالية، وهو ما يمثل عبئًا ماليًا ثقيلًا يضغط بشدة على المالية العمومية للدولة، وينعكس مباشرة على قدرتها على توفير اعتمادات لباب الاستثمار، وهو ما سبق للبنك المركزي أن أشار إليه في بلاغاته وتقاريره التي اعتبرت أن الديون التونسية، خاصة الأجنبية منها، تمثل تحديًا كبيرًا، خصوصًا في ظل محدودية الموارد المالية المتاحة وانخفاض تدفقات التمويل الخارجي.

ما يشير إليه البنك المركزي بشكل غير مباشر هو الانعكاسات الاقتصادية والمالية الناجمة عن ارتفاع حجم المديونية التونسية وتراجع قدرتها على تعبئة موارد بالعملات الأجنبية، وهو ما ينتقده عدد من خبراء الاقتصاد الذين يؤسسون نقدهم على اعتبار أن الحكومات التونسية خلال السنوات الفارطة جعلت من أولويتها سداد الديون، وذلك ما انعكس على الاستثمار العمومي والذي بدوره أثر في نسبة النمو الإجمالية في البلاد.

ان تخصيص ربع حجم نفقات الدولة في السنة لسداد خدمات الدين أثر في قدرتها على الإنفاق والاستثمار في البنية التحتية والخدمات الأساسية، ونتيجة لذلك، دخلنا في مرحلة الانكماش في الاستثمار العمومي الذي انعكس سلبًا على قطاعات الإنتاج والخدمات وادي إلى انخفاض معدل النمو الاقتصادي مقارنة بالتوقعات السابقة.

ويبدو أن خيار الحكومة أن تعول على السوق الداخلية لتعبئة موارد مالية لتمويل نفقاتها والذهاب بهذا الخيار إلى أقصاه، أدى الى تضاعف حجم القروض الداخلية خلال سنة، من 11 مليار دينار إلى أكثر من 22 مليار دينار في مسعى لتخفيف الاعتماد على الشركاء الدوليين، كانت آثاره المباشرة تسليط ضغوط على السيولة في القطاع المصرفي المحلي، وهو ما يفاقم من مصاعب الولوج إلى التمويل التي يعاني منها القطاع الخاص ويؤثر سلبًا على السيولة في الاقتصاد.

وضع معقد نحتاج فيه اليوم إلى رسم استراتيجيات مالية واقتصادية أكثر تنوعًا واستدامة تقود إلى سياسات مالية مدروسة وإلى تنفيذ إصلاحات جذرية تضمن استدامة المالية العمومية وتعزز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني. وهذا يشترط رؤية شاملة للاقتصاد لا فقط على ملف الديون.

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115