هذا السؤال محور التفكير الاعلامي والسياسي والاستراتيجي في جل دول العالم ،أو لنقل في دول العالم التي تهتم ولو في حدود بالفكر الاستراتيجي ..
الأجوبة الممكنة عن هذا السؤال لا تنطلق من الصفر فنحن أمام رئيس جديد لا محالة لكنه مارس الحكم في عهدة أولى انتهت منذ أربع سنوات فقط. جوهر برنامج الرجل لم يتغيّر كثيرا ، وقد يكون الجواب ، من هذه الزاوية ، أن التغيير لن يتجاوز كثيرا الأسلوب وأن المستفزّ في كلام ترامب لا يبتعد كثيرا عن السياسات الفعلية لأسلافه حتى ولو استعملوا مساحيق شتى للتسويق .
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تتصرف مختلف الادارات الامريكية المتعاقبة كالإمبراطورية المهيمنة على العالم وكزعيمة للعالم الحر مقابل المعسكر الشرقي بداية ثم مع انهيار الاتحاد السوفياتي تتعامل كقطب الرحى للكرة الارضية بأسرها وقد سعت على امتداد هذه العقود الأخيرة الى ترسيخ تفوقها العلمي والتكنولوجي والاقتصادي والعسكري وإعاقة تقدم القوى الصاعدة كل ما امكنها ذلك..
اذن، ما الذي ستغيره هذه السنوات الأربع الثانية من حكم الرئيس القديم / الجديد؟
يبدو لنا أن الأمر ليس بمثل هذه البساطة وإلا لاستحال علينا فهم حجم التخوفات لا عند الخصوم فقط او المنافسين للولايات المتحدة بل وعند أهم وأبرز حلفائها كذلك ..
نعتقد أنه يجب أن نميّز بين ترامب الشخصية وترامب الظاهرة ، فالشخص مستفز وهو لا يراعي ابجديات «النفاق» الديبلوماسي والسياسي مع أية جهة كانت، فما حصل في خطاب يوم التنصيب مع سلفه جو بادين لم نر له مثيلا في اية ديمقراطية غربية اذ جعل من العملية البروتوكولية لتسلم السلطة مناسبة لتصفية حساباته مع الإدارة السابقة واصفا اياها بالعجز والتواطئ مع أعداء أمريكا وأنها آوت مجرمين خطرين ولم تعمل مطلقا لفائدة الامريكيين هذا فضلا عن فسادها وتوظيفها للقضاء وتزييفها لانتخابات نوفمبر 2020 وسعيها الى تزييف انتخابات نوفمبر 2024..
إذا كان الأمر كذلك مع الرئيس الامريكي السابق وإدارته فكيف تريدونه أن يكون مع البقية ؟ !
ما كان لدونالد ترامب أن ينتصر، رغم عملية الشيطنة التي طالته من قبل النخب الناقدة والملاحقات القضائية المتعدد، لو لم يكن يمثل اكثر بكثير من شخصه ..
هنالك رأي عام شعبي في أمريكا يعتقد منذ عقود ان «العولمة السعيدة» انما هي للشركات الكبرى والنخب المعولمة شرق وغرب الولايات المتحدة، اما الطبقات الوسطى والشعبية فقد تفقرت بحكم تحول الاستثمارات الصناعية إلى الدول الصاعدة كذلك بالهجرة غير النظامية التي تفتك منهم ما بقي من فرص عمل لا تستحق كفاءة عليا ، ثم إن الدولة الامريكية تنفق أموالا طائلة في منظمات دولية وفي أحلاف للدفاع عن أوروبا او للقيام بحروب مكلفة ماديا وبشريا، كما كان الحال في أفغانستان وفي العراق، وهذه الأموال ينبغي أن تنفق داخل أمريكا لا خارجها كما ينبغي ايقاف استفادة الدول الخصمة والصديقة على حدّ سواء من التسهيلات التي توفرها السوق الأمريكية فيعمّ الرخاء في هذه الدول على حساب المواطنين الفقراء المتضررين الاولين من هذه العولمة التعيسة .
هذا الشعور المتعاظم لدى فئات واسعة في الولايات المتحدة وجد في ترامب، رغم ثرائه الفاحش ،أفضل معبّر عنه بشعاره البسيط» امريكا أولا «وكأن النخب كانت تنادي بـ«أمريكا ثانيا» ثم إن الأوساط الشعبية لا تنظر بعين الرضا الى ما تعتبره تقليعات نخبوية حريوية والتي تقحم كلها تحت شعار «le wokisme»
الجديد / القديم مع ترامب الذي استفاد على طريقته بتجربة الحكم السابقة هو أن شعار «أمريكا أولا» لا يقتصر فقط على الخصوم التقليديين بل على سائر دول العالم اي على الحلفاء أيضا في القارة الامريكية (كما في كندا) وفي أوروبا وهذا مصدر الهلع الذي نجده لدى أغلب شركاء وحلفاء الولايات المتحدة ، فهذه الدول لن تحظى مستقبلا بـ«كرم» العمّ سام، وإذا أرادت حمايته عليها أن تدفع المقابل ..
الحليف الوحيد الذي أمكن له أن ينجو من اعادة توزيع الاوراق هذه هو دولة الاحتلال الصهيوني ، اما البقية فعليهم مراجعة حساباتهم، فالحماية والتبعية الجيوسياسية لن تكون دون مقابل وأمريكا وحدها هي التي ستحمي مصالحها ولو كان ذلك على حساب حلفائها حتى لو اقتضى الامر الحاقهم بها أو التحكم المباشر في خيراتهم ومواردهم فهذا وحده – حسب العقيدة الجديدة لساكن البيت الابيض – هو الذي سيوقف انحدار الدولة الاكبر في العالم ويزيد من تفوقها وهيمنتها ..
يقول ترامب اليوم لكل الدول الغربية : لن يحلق أحد رأسه بالمجّان غدا ومعادلة الخضوع مقابل الأمن انتهت فالمعادلة الجديدة هي الخضوع والدفع معا .. من ترى سيستفيد من هذه السياسة الجديدة في البيت الأبيض ؟
المنطق يقول خصوم أمريكا المتعودون على غطرستها لا حلفاؤها الذين اعتقدوا في دعتها.