برعاية أمريكية ووساطة مصرية قطرية. وبينما احتدمت مفاوضات الساعات الأخيرة الإخراج الصفقة في نسختها النهائية، واصل جيش الاحتلال ارتكاب أبشع مجازر التنكيل. وكأن هذه الحرب التي أسفرت عن 156 الف شهيد وجريح من الفلسطينيين وشردت الآلاف، لم تصل بعد إلى حجم البشاعة التي يريدها الإسرائيليون من خلال ترهيب الفلسطينيين وإلحاق المزيد من التدمير والتنكيل بحق الأطفال والنساء والمدنيين دون أي ذنب سوى أنهم ولدوا في غزة ويحملون في دمائهم أمانة فلسطين وجرحها.
لقد أعلنت حركة حماس امس عن التوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، معتبرة ان المقاومة نجحت في فرض جميع شروطها المتعلقة بوقف العدوان والانسحاب من غزة واعمار القطاع ودخول المساعدات وصفقة تبادل أسرى . وقالت بأن الاحتلال الصهيوني فشل في كسر إرادة الشعب ومقاومته رغم الإبادة الجماعية. وشددّت على أهمية النخب في صناعة الوعي بالانتصار .
يأتي هذا الاتفاق بعد أكثر من عام ونصف من المجازر غير المسبوقة في العصر الحديث، ومن تمدّد حروب الإبادة لتشمل لبنان، ومع توغل إسرائيلي في سوريا. ويأتي أيضا أمام مجتمع دولي عاجز عن إيقاف المحرقة التي تمت من أجل إقامة خرائط جديدة للمنطقة تتغير فيها حدود ومعادلات .
وحاول المفاوضون في الدوحة وضع التفاصيل النهائية لوقف إطلاق النار في غزة، في الوقت الذي ذكرت فيه تقارير عبرية أن جيش الاحتلال يستعد «للانسحاب التدريجي» من قطاع غزة مع دخول الاتفاق حيز التنفيذ، مشيرة الى أن الأمر قد يستغرق أسبوعا لتفكيك مواقعه خصوصا في محور نتساريم وسط القطاع.
ويتوج هذا الاتفاق مسارا صعبا من المباحثات الجارية على وقع النار والدم وذلك على مدى عام ونيف، وقد يعيد بعض الأمل لعشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين دمرت أحياؤهم ومدنهم وخسروا عائلاتهم وأجبروا على النزوح قسرا.
هي فرحة لا تكتمل مع مشاهد الدمار والخسائر الكبيرة في الأرواح التي قدمها الغزاويين فداء لتراب الوطن. ومن شأن هذا الاتفاق أن يضع غزة والمنطقة أمام مرحلة جديدة عنوانها الأبرز هو تخفيف التوترات وإبعاد شبح الحرب الشاملة.
وقد شكلت مسألة المعابر الحدودية في غزة والأمن، العقبة الأبرز لإخراج الاتفاق في نسخته النهائية. وتشمل الصفقة ثلاثة مراحل، الأولى تتضمن إطلاق سراح 33 رهينة إسرائيلي، مع انسحاب تدريجي جزئي لقوات الاحتلال الإسرائيلية. وتذكر مصادر فلسطينية بأن تل ابيب ستفرج عن ألف أسير فلسطيني في المرحلة الأولى. وتقول وسائل اعلام الاحتلال بأن مصلحة السجون تستعد لإطلاق مئات المعتقلين الفلسطينيين، في إطار اتفاق لتبادل أسرى ووقف لإطلاق النار.
وللإشارة فإن تل أبيب تحتجز في سجونها أكثر من 10 آلاف و300 فلسطيني، وتقدّر وجود نحو 100 أسير إسرائيلي بقطاع غزة. في حين أعلنت حركة حماس، مقتل عشرات من الأسرى لديها بغارات عشوائية إسرائيلية.
ويبدو أن المفاوضات التفصيلية للمرحلتين الثانية والثالثة ستبدأ، في اليوم السادس عشر من وقف إطلاق النار. وخلال المرحلة الثانية سيُطلق سراح الرهائن المتبقين - الجنود وجنود الاحتياط - في مقابل عدد من السجناء الفلسطينيين. خلال هذه المرحلة، سيمسح للنازحين في جنوب غزة بالعودة إلى الشمال. وتتضمن المرحلة الثالثة والأخيرة إعادة إعمار غزة، التي قد تستغرق سنوات. وتسعى إسرائيل للبقاء في منطقة عازلة أو أمنية داخل غزة، خلال أي وقف لإطلاق النار.
وتذكر تقارير بأن جيش الاحتلال سينسحب من محور فيلادلفيا خلال الأيام الأولى بعد توقيع الصفقة مع حماس. لكن هذه التقارير أكدت على أن الأمر قد يستغرق أسبوعا لتفكيك المواقع والبنى التحتية التي بناها الاحتلال في محور نتساريم وسط غزة.
أما عن شكل الإدارة الجديدة في القطاع، فقد أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، أن حكومته مستعدة لتحمل مسؤولياتها في غزة، وإعادة توحيد الضفة الغربية والقدس والقطاع تحت حكومة واحدة. وأضاف أن «غزة بحاجة إلى حكومة مسؤولة، قادرة على مداواة جراح الفلسطينيين وإعادة دمجها تحت دولة وحكومة وقانون واحد». كما أعرب عن الاستعداد لتطبيق القرار الأممي 2735 وإعادة توحيد الضفة بما فيها القدس والقطاع تحت حكومة واحدة.
لقد سعى رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو الى إخماد آخر طلقة رصاصة مقاومة في القطاع وتحويله الى منطقة منزوعة السلاح. ولكن رغم كل الدمار الهائل إلا أن المقاومة ظلت صامدة وتساوم وتقاوم حتى آخر لحظة، وذلك رغم التصفيات الانتقامية لكبار قادتها.
وفي خضم المناقشات حول وقف إطلاق النار وتسارع الأحداث في الإقليم من لبنان إلى سوريا وفلسطين، يبدو أن هناك خارطة سياسية جديدة ترسم للمنطقة بدأت تتشكل بالتزامن مع دخول الرئيس الأمريكي ترامب رسميا الى البيت الأبيض يوم 20 جانفي الجاري. وملف حرب غزة وغيرها من الملفات الساخنة ستكون حتما على طاولة الإدارة البيضاوية «الترامبية» في انتظار ما ستحمله هذه الإدارة «للعالم الشرق -أوسطي الجديد